عددالزائرين الان

السبت، 22 مارس 2014

الذكري الـ 25 لعودة «طابا»

معركة «طابا» الدبلوماسية درة علي جبين المفاوض المصري، حيث انتصرت إرادة الفكر المصري علي إرادة الفكر الإسرائيلي وتم تحطيم الأسطورة «الزائفة» العقلية الإسرائيلية في معركة شرسة بين العقول والأفكار لا تقل عن شراسة المعركة الحربية في أكتوبر 1973، وأصبح حكم المحكمة بأن «طابا» مصرية وساماً علي صدر كل المشاركين في عودتها.
في الذكري الـ 25 لعودة «طابا» أكد اللواء حمدي شراسة المفاوضات مع مفاوض ذي عقيدة توسعية استيطانية يطمع في أرض جيرانه، ولكن المفاوض المصري استطاع ان يجبره علي الانسحاب الكامل من جميع الأراضي المصرية بشروط مصرية دون الخضوع لأي ابتزاز أو تفريط في متر واحد من سيناء، وانتصرت مصر علي إسرائيل في معركتي الحرب والسلام. < ما الذي كان في ذهنكم عند التفاوض مع إسرائيل للانسحاب من سيناء أولاً ثم طابا بعد ذلك؟
- المعروف عن إسرائيل عقيدتها التوسعية وأفكارها وأحلامها المستقبلية علي حساب الغير وبعد احتلالها سيناء أصبح هدفها التوسع لأن أرض فلسطين المغتصبة صغيرة وتريد أن تتوسع علي حساب جيرانها مصر والأردن وسوريا ولبنان وباقي الأراضي الفلسطينية، إذن هي طامعة في مصر بأرضها ونيلها وتاريخها وثقافتها، كل هذه العوامل أوصلتنا إلي لماذا تعاند إسرائيل وتتباطأ في الانسحاب من سيناء ولكننا أجبرناهم علي التفاوض في معركة السلام والتي لا تقل شراسة عن الحرب في الميدان.
< وبماذا تسلحتم خلال تفاوضكم مع هؤلاء الطامعين؟
- كان معنا التاريخ والقانون والجغرافيا والمبادئ والأوراق والمستندات والشهود لاسترجاع أرضنا وهم كانوا مندهشين كيف ينسحبون من أراض تم احتلالها بالقوة العسكرية من غير ثمن، وهم استصدروا قراراً من الكنيست بضم الجولان إلي أرض إسرائيل ولو كانت تأخرت حرب أكتوبر «3» سنوات كان من الممكن أن يصدر الكنيست قراراً بضم سيناء أيضا وهذا حلم تاريخي لديهم، ولكننا أجبرناهم علي الخروج من سيناء بل وقعوا علي الانسحاب في الكنيست و«مناحم بيجن» صدق عليها وكنا نعرف أنهم طماعون وغير مقتنعين بالانسحاب ولأنه أثناء التفاوض كانوا يشيدون فندقاً سياحيا في «طابا» وقرية سياحية صاحبها «رافي نيلسون» صديق «بيجين» المقرب ثم أنهينا المعاهدة وهم يستكملون بناءه ليصبح أمراً واقعاً ثم تتصارع عليه ويؤجلون الانسحاب.
< ولماذا طابا تحديداً؟
- أولاً هدف سياسي لأن خط الحدود يبدأ من رفح حتي خليج العقبة وقبل الشاطئ توجد منطقة عالية علي ارتفاع (96) متراً ومن يملك هذا الارتفاع يستطيع السيطرة علي أرض مصر ويكشف أراضيهم والهدف الثاني اقتصادي وهو أن إيلات تبعد عن طابا (11) كم وليس في إيلات شاطئ رملي لأنها منطقة صخرية فأرادوا ان يأتي السياح من إيلات ومطار النقب إلي «طابا» خاصة الوفود السياحية من السويد والدانمارك والنرويج. والهدف السياسي أن قرار (242) ينص علي انسحاب إسرائيل من «أراضي» ولم يقول الأراضي وهم تمسكوا بهذه الكلمة ولو طبقوها مع مصر سيضطرون إلي تطبيقها بالانسحاب من الجولان ولبنان والضفة الغربية وفلسطين ما جعلهم يتمسكون بـ«طابا».
< وكيف تم استرجاع كامل أراضينا بدون المستوطنات اليهودية؟
- المفاوض المصري كان مدركاً مع من يتعامل، وقد ضم فريق التفاوض المصري خبراء أمثال الفريق «كمال حسن علي» ولواء «طه المجدوب» ولواء «لبيب شرابي»، و«بطرس غالي» و«أسامة الباز» و«طاهر شاش» و«عمرو موسي» واشترطنا في المعاهدة أن تنسحب إسرائيل بقواتها العسكرية والمدنية وهذا معناه المستوطنات وكان لهم مستوطنات في سيناء وإذا لم تدرك هذا لانسحب العسكريون وتركوا المستوطنات اليهودية في سيناء مثل «مسمار جحا» وأيضا حددنا الانسحاب إلي ما وراء خلف الحدود في ظرف «3» سنوات ولم نتركها مفتوحة لأن «موشي ديان» أرادها مفتوحة حتي يماطل فاستخدمنا نصا مهماً جداً بأن الانسحاب ليس متأخراً عن الساعة الواحدة ظهراً يوم 25 أبريل 1982 إذ لا يوجد مجال للمماطلة وكنت رئيس اللجنة العسكرية بالإشراف علي سيناء وأتابع الانسحاب لتدخل قواتنا أولاً بأول، بعد الانسحاب المرحلي ثم الانسحاب الأول فالثاني وهكذا.
< كيف تم تحديد خط الحدود الذي نصت المعاهدة بالانسحاب خلفه وتحديد العلامات الدولية؟
- حددنا خط الحدود منذ أبريل 1981 بالوثائق والصور الجوية ومواصفات العلامات وبدأنا نستطلع الأرض وكان الإسرائيليون معنا والبداية كانت من رفح حتي خليج العقبة والعلامات تم وضعها عام 1906 عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني ومصر تحت الحكم العثماني، إذن إسرائيل لم تكن موجودة، والإنجليز هم الذين وضعوا العلامات من رقم «1» وحتي (91».. فبدأ الإسرائيليون يختلفون معنا علي مواقع العلامات والخلاف كان علي (5) أمتار وحتي 190 سم إلا العلامة (85) كانوا يريدونها داخل الأراضي المصرية بـ (2٫5) كم، وكان لديهم هدف خفي ونية سيئة حتي نتأخر عن ميعاد الانسحاب لاننا لم نعاين خط الحدود ونحدده فأدركنا ذلك وقلنا سنحدد باقي العلامات بالكامل وما نختلف عليه نتركه مؤقتاً ثم نعود إليه مرة أخري وأصبح الاختلاف علي (13) علامة دولية بالادعاء أنها في غير أماكنها، وهذا التغيير كان سيغير خط الحدود بالكامل لتحقيق فوائد طبوغرافية لصالح إسرائيل بحصولهم علي «تل» أو هضبة أو طريق ما وهذه كانت أطماع «شارون» لانه كان يريد طريقاً مباشراً يسهل له الدخول بدباباته وخلال (48) ساعة يصل إلي قناة السويس.
< هل إسرائيل تلاعبت في أماكن العلامات الدولية؟


- العلامات الدولية متواجدة منذ عام 1906 وهي عبارة عن قائم هرمي بطول «3» أمتار مبنية من أحجار من البيئة يتوسطها عمود حديد يكتب عليه رقم العلامة، ووجود إسرائيل في سيناء منذ 67 وحتي 1982 منحها الفرصة للتلاعب في العلامات وأماكنها فتركوا بعضها وأزاحوا أخري ودمروا غيرها وهكذا تحسباً للمفاوضات، وكان الاحتلال علي (13) علامة دولية.
< ومتي بدأت المشاكل علي العلامة 91 الخاصة بطابا؟
- كنا نتحرك بطائراتهم الهيلكوبتر أو بالعربات الخاصة بهم وعند الانتهاء من تحديد العلامة (90) طلبنا الصعود إلي العلامة (91) فقالوا لنا الهليكوبتر لن تستطيع الهبوط فوق الجبل فطلبنا سيارة نصف جنزير فقيل لنا الساعة الآن (5) ولدينا تعليمات بعدم التحرك والرجوع فصممنا علي المعاينة وصعدنا علي أرجلنا ومعي اللواء «عبدالفتاح محسن» رحمه الله مدير إدارة المساحة العسكرية وهو شيخ المساحين المصريين عسكريين ومدنيين يحفظ سيناء بالشبر والطرق والوديان والجبال والتلال والهضاب، ومعي مصور وجنديان من الصاعقة ولم نجد العلامة (91) وقالوا ان مكان العلامة في الوادي تحقيقاً لهدفهم السياسي والعسكري والاقتصادي، وقالوا هذا شجر «الدوم» وعمود التلغراف وبئر المياه التي تتحدثون عنها وصورة مفبركة للخواجة «شالوم» مع أنه لم تكن توجد إسرائيل عام 1900 توقيت الصورة المفبركة.
< ومتي عرف الشعب المصري وجود أزمة طابا؟
- بعد صعودنا إلي مكان العلامة (91) وجدنا مخر السيول فنزل جنديان من الصاعقة داخله وغابوا (20) دقيقة ثم صعا حاملين العمود الحديد (70) كجم ومكتوباً عليه رقم (91) سجلناه بالصور واستخدمناها في المحكمة، وهنا بدأت المشكلة بوجود خلاف في الانسحاب من منطقة اسمها (وادي طابا)، وأبلغت الفريق (أحمد بدوي) علي نقطة الخلاف، وكان وزير الدفاع «شارون» هو الذي أعطي تعليماته لطاقم المساحة الإسرائيلي بتدمير وتغيير مكان العلامة (91) حتي يخلق مشكلة تعطل الانسحاب خلف خط الحدود طبقاً للمعاهدة مادام لم نحدد خط الحدود، وهذا كان غير مقبول في العرف المصري إطلاقاً، والشعب المصري كان ينتظر 25 إبريل لانسحاب إسرائيل من كامل سيناء بفارغ الصبر فرفضنا رفضاً باتاً وصممنا علي الانسحاب في موعده ثم نتفاوض علي نقطة الخلاف أو بتدخل طرف ثالث بيننا أو بالذهاب إلي المحكمة ووافقوا وانسحبوا في 25 إبريل 1982 كما حددت المعاهدة تماماً.
< ولماذا قال شارون أنت «ودوف سيدون» ستدمران المعاهدة؟
- ما حدث إني كرئيس اللجنة العسكرية المصرية والبراجادير «دوف سيدون» رئيس اللجنة العسكرية الإسرائيلية كان متزوجاً من ابنة «موشي ديان» ولنعلم مدي عقيدته وكنا نتباحث لمدة (7) سنوات وقد أبلغنا رئاستنا بأزمة العلامة (91) و«شارون» اتصل بالفريق «كمال حسن علي» قائلاً: إن «دوف سيدون» واللواء «محسن حمدي» سيدمران المعاهدة لأنهما مختلفان وليتنا نتقابل ونستطلع الأرض وسوف أقنعك ان موقفكم خطأ وموقفنا سليم، وبالفعل ذهبنا إليهم وجاء مع شارون سفيرهم في مصر «ساسون» والضابط «رافي حاييم» من المساحة الإسرائيلية.
< هذا الضابط الذي طرده شارون؟
- نعم وقد كان ضابطاً فنيا وصادقاً لانه قال: إن ضابط المساحة الفني دائماً يبحث عن الأماكن المرتفعة وكان هذا يعضد من صدق وقوة الموقف المصري، ودليل أن العلامة (91) فوق الجبل وليست في الوادي، وتنبه «شارون» إلي هذا وقال Stopi ثم طالبه بالنزول وعدم اكتمال الحوار ولكن فطرته كبشر أنطقته بالحق.
< وشارون أيضا شكا منك إلي الرئيس السادات؟
- نعم.. بسبب موقف يدعو إلي السخرية وسوء النية والابتزاز الخفي عند تحديد العلامة (27) وقال الإسرائيليون: يوجد فرق 190سم داخل الأراضي المصرية وكانوا يريدون أن يظهروا انه اختلاف فني، و«شارون» قال للسادات سيدي الرئيس اللواء «حمدي» يتمسك بأشياء فنية لا تستحق الوقوف عندها الآن لان مصر وإسرائيل جيران وبينهما سلام وصداقة، فاستفسر «السادات» فقال إنه يتمسك بـ 190 سم ولديه سيناء بطول 300كم ورد عليه الرئيس «السادات» الوطني والسياسي الفاهم والفلاح الأصيل الذي يفهم ان الأرض عرض قائلاً: وهل تعتقد أنها أرض أبوه يتصرف فيها ويتسامح كيفماء شاء؟ هذا معناه إننا لن نتنازل عن 190 سم، وأيضاً كنا في أمريكا وشكلنا لجان ترسيم الخرائط برئاسة اللواء «عبدالفتاح محسن» ويقابله «زالمان» في الجانب الإسرائيلي، وذات صباح في اجتماع مشترك استأذن «زالمان» بالكلام وقال: سيدي الوزير سوف انسحب من هذه اللجنة لأني لا أستطيع التعاون مع اللواء «عبدالفتاح» لانه أكثر مني علماً  واكتشفت أنه لا يعرف سيناء جبالاً وودياناً وطرقاً فحسب بل يعرف كل ثعبان يعيش في أي شق ولا أستطيع أن أجاريه في طبوغرافية الأرض.



< ما الذي حدث حتي يهدد «مناحم بيجن» الوفد المصري برئاسة الفريق كمال حسن علي يقدم بالانسحاب؟
< استمر الخلاف حول العلامة (91) ولم نكن نستطيع الحل و25 إبريل باقي له (3) أيام و«بيجن» طلب «كمال حسن علي» لمقابلته في القدس وسافرنا معه أنا و«بطرس غالي» و«د. أسامة الباز» و(2) آخران وتقابلنا معه في المكتب «بتل أبيب» فقال: لن انسحب في 25 أبريل لاننا مختلفون في نقاط عديدة ولدي ضغوط من الكنيست بعدم الانسحاب وأرجو ان نتقابل مساء في المنزل وبالفعل ذهبنا ووجدنا «شارون» معه ووجدنا حوالي «14» فرداً قادمين إليه فقال: هؤلاء أعضاء الكنيست يعلمون أنكم قادمون إليَّ وجاءوا يعارضون، وأعطاه «شارون» ورقة نظر فيها وأعطاها إلي «كمال حسن علي». فقرأها ومررها إلي «بطرس غالي» فقرأها ثم مررها إلي «أسامة الباز» وهنا ظهرت الوطنية المصرية والحدة والحسم وسرعة بديهة الدبلوماسية المصرية عندما قال «بطرس» سيادة رئيس الوزراء لا يصح أن تفرض صيغة علي رئيس جمهورية والورقة كان مكتوباً بها «يلتزم» «حسني مبارك» رئيس الجمهورية ويتعهد بما تعهد به «أنور السادات» ورفضنا هذه الورقة وصممنا علي الانسحاب في 25 إبريل.
< وأين الدور الأمريكي في تقريب وجهات النظر؟
- الأمريكان عرفوا الأزمة فأرسلوا السفير «ستوسل» مبعوث من الخارجية وقابل الرئيس «مبارك» ثم الفريق «أبوغزالة» وأعطاه مذكرة من الرئيس «ريجان» لحل المشكلة بين الطرفين وكان وسيطاً لأن الأمريكان شركاء في المعاهدة والرئيس «السادات» سماهم الشريك الكامل، ثم اتفق علي صياغة ورقة أطلق عليها فيما بعد ورقة (25) التي تشمل الحل بين الطرفين، وتقابلنا في فندق «السلام» الساعة (1) صباح يوم 25 ابريل قبل الانسحاب بـ (10) ساعات ووقعنا علي الورقة بأن يقف الطرف الإسرائيلي عند الخط الذي تدعيه مصر وتحال القضية إلي التحكيم استناداً إلي المادة (7) من معاهدة السلام، وتم الانسحاب ورفع العلم علي سيناء في 25 ابريل 1982.
< إذا يمكن القول إن الطرف الأمريكي كان طرفاً محايداً؟
- ليس دائماً، لأنه مع عدم الوصول إلي حل في التفاوض كان يحضر معنا السفير «دوان كارسر» السفير الأمريكي في القاهرة ثم أصبح سفيراً لأمريكا في إسرائيل وكان يقدم مقترحات تتعارض جميعها ضد مصالحنا وكنا دائماً نرفضها، وحدث موقف غريب لم نعتده منه ويثير الشبهات لأن أمريكا شريك محايد ويجب ألا تنحاز إلي أي طرف ما ولكن في أحد اختلافاتنا مع إسرائيل قدم لنا ورقة ووجدنا إنها إلي حد كبير تحقق مطالبنا وأهدافنا في المنطقة طبقا لانسحاب 25 إبريل وبها بعض القيود علي الجانب الإسرائيلي، وعندما أعطاها إلي «دوف سيدون» فقال: أرفض هذه الورقة لان لنا تحفظات عليها، دون تردد سحبها «دان كارسر» دون المناقشة أو تعديل الاقتراح.
< وماذا كان بها حتي يرفضها الجانب الإسرائيلي؟
- كانت تنص علي أن الطرفين لا يدخلان منطقة «طابا» وعدم إقامة أي منشآت حتي لا تخلق أمراً واقعاً، واستدعاء القوات متعددة الجنسيات لإرسال عناصر تتواجد داخل المنطقة حتي تحل هذه المشكلة بالتفاوض أو التوافق أو الذهاب إلي المحكمة كما تنص المعاهدة.
< ولماذا رفضوا التحكيم ثم قبلوه بعد ذلك؟
- لان التحكيم بالنسبة لهم نوع من المجازفة لأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يثقان في إسرائيل لانها لا تنفذ قراراتهما، وإذا كان الحكم في غير صالحها ستضطر إسرائيل إلي التنفيذ، وهذه ستكون سابقة أولي لها وكان في الحكم حكومة الليكود المتشددة وتم إجراء الانتخابات وفاز حزب العمل برئاسة «شيمون بيريز» 1986 ووافق علي الذهاب إلي التحكيم.
< وكيف كان التحكيم ملزماً وهو لا يتبع محكمة العدل الدولية؟
- لم يكن تحكيماً دولياً بل كان تحكيماً خاصاً أي يضع الطرفان شروطها ويشكلان المحكمة ويختار القضاة ونخصص لهم المهام كيف يتخذون القرار واتفق الطرفان علي تنفيذ قرار المحكمة أيا كان قرارها ضد أي طرف منا مسبقاً، والتحكيم كان علي أسلوبين إما تحكيم ثلاثي من (3) قضاة أو خماسي من (5) قضاة وتشككنا في النظام الثلاثي لأنه قاض يمثل مصر والثاني يمثل إسرائيل والثالث محايد، وطبعاً إسرائيل بأساليبها التاريخية الملتوية قد تؤثر علي طرفين فرفضنا الثلاثي وطلبنا التحكيم الخماسي، قاض يمثل مصر وآخر يمثل إسرائيل وكل طرف يختار قاضيا محايداً والأربعة قضاة يختارون القاضي الرئيس، ومثل مصر د. «حامد سلطان» وكان رجلاً عظيماً. واخترنا رئيس المحكمة الدستورية لفرنسا، ومثَّل إسرائيل د. «روث لابيدوت» واختاروا قاضيا سويدياً والأربعة قضاة اختاروا القاضي الرئيسي «سويدياً».
< ومن الذي تحمل أتعاب القضاة؟
- الأتعاب كانت مناصفة بيننا وبين الجانب الإسرائيلي ولكن المبهر والمفرح في الدول المتقدمة إننا عندما عرضنا علي القاضي تحديد أتعابه قال: ضعوا المبلغ الذي تحددوه لانه سيذهب إلي خزينة الدولة بعدما وصل دخلي العام إلي الحد الأقصي في بلادي.
< وكيف سارت المحكمة؟
- كانت في منتهي القوة والشراسة والاستعداد والتحضير من كلا الطرفين كل يلقي بما يملكه من مستندات وشهود، وكنا بدأنا التحضير لهذه المحكمة منذ 1986 وحتي 1988 بتوفير المستندات والاستعداد بالشهود وقامت المحكمة بالمعاينات والاستطلاعات وسماع الشهود وبفضل الله تعالي كنت الشاهد الميداني الرئيسي، وقدمت شهادتي بعد شهادة الفريق «كمال حسن علي» ثم اللواء «عبدالحميد حمدي» قائد المدرعات حينها لأنه خدم في هذه المنطقة وهو ملازم ثان، وقد أحضرنا اثنين شهود من قوات الأمم المتحدة وكانا من يوغسلافيا وخدما في ذات المنطقة في 1957 أي بعد عدوان 1956 وشهدا في صالح الموقف المصري، والحقيقة قدمت شهادتي مدعمة بالصور والمستندات، لدرجة أن د. «حامد سلطان» قال لي: «أنا أشكرك جداً لأن شهادتك أوضحت لنا أشياء كثيرة ستفيدنا في إصدار الحكم، وبالفعل د الحكم بأحقية مصر في «طابا» بعد مفاوضات شرسة لأن مفاوضات المعاهدة في أمريكا استمرت حوالي (7) شهور منذ 10 أكتوبر 78 ووقعنا الاتفافية في 26 مارس 1979. ولكن مفاوضات طابا استمرت (7) سنوات مما يدل علي الجدال علي كل متر لتنفيذ عقيدتهم التوسعية وبعدم الانسحاب من كامل الأراضي التي يحتلونها بقوة السلاح.
< المعارضون لمعاهدة السلام يدعون أنها أضاعت نصر أكتوبر؟
- لا.. لم تضيع نصر أكتوبر المجيدة بل كانت مهمة القوات المسلحة تنفيذ المهمة الأولي طبقاً لمهماتها وقدرتها وتقديراً للموقف الدولي والإقليمي ومع عمل المقارنة بين القوات وجدنا المقارنة (3: 1) لصالح إسرائيل وأن أي عمل عسكري كانت تعتبره الكثير من الدول الكبري انتحاراً للمصريين، ولكن الجنود صمموا بما لديهم من معدات وإمكانيات وقدرات شخصية علي تحرير الأرض، وحدث الاقتحام بشكل مذهل و«شارون» «وموشي ديان» اعترفا بأنهما لم يكونا يعلمان أن هذه هي قدرات المقاتل المصري، وهذه شهادة من عدو لصالح المقاتل المصري، وطبعاً القوات المسلحة نفذت المهمة المباشرة طبقاً لقدرات الدفاع الجوي الذي يحمينا وتوقفنا بقرار سياسي بتقديم الشكر إلي القوات المسلحة وانتقال الملف إلي التفاوض السياسي والدبلوماسي وهذا ما حدث.



< معاهدة السلام إلي أي مدي استفادت مصر منها؟
- حتي الآن معاهدة السلام في صالح مصر 100٪ بهذه المعاهدة حصلت مصر علي كامل أراضيها ولم تفرط في أي متر، ولم تبادل أراضيها بأراض أخري ولم تبعها أو تقوم بتأجيرها، ولم يحدث أن سمحنا لأحد أن يضغط علينا ولم نخضع لأي ابتزاز. ونفذنا شروطنا بالانسحاب الكامل وبشروطنا علي طول الخط وانتصرنا في معركتي الحرب والسلام.. والاقتصاد المصري كان يتجه إلي القوات المسلحة للإعداد للمعركة، وبعد المعاهدة أصبح الاقتصاد يتجه نحو الدولة، وبالسلام استرددنا منابع البترول بالكامل التي كانت تستخرج إسرائيل يومياً (18) مليون برميل هذا بخلاف المناجم والمحاجر والمناطق السياحية والشواطئ والمزارات الدينية. وكان لإسرائيل قاعدتان جويتان في «الجورة» وفي «النقب» فحصلنا عليهما ولم يدمرا كما حدث في 1956، واشترطنا الحصول عليهما، حتي إن «وايزمان» قال لـ«كمال حسن علي» لا تقلق سنعطيهما لكما «مدهونتين» وكل هذا بجهد وعرق وتخطيط القادة ودماء الشهداء، فمن كان يستطيع ان يفعل أكثر من ذلك إلا بالسلام، وتري الآن الجولان مازالت محتلة وفلسطين أيضاً ونحن ألا يرضينا عودة أراضينا بالسلام؟
< ولماذا ينال الرئيس السادات الهجوم الأكبر بسبب معاهدة السلام؟
- الرئيس «السادات» كان له رؤية بعيدة المدي ويهدف إلي تحرير الأراضي المصرية، وقد حررها بالفعل.. فماذا يريدون منه؟ وليقولوا لنا من حرر أراضيه مثل مصر؟ فمصر دفعت تضحيات ودماء شهداء ومصابين ولدينا لواءات شهداء علي أرض المعركة مثل «أحمد حمدي» و«مكرم سيدراك» وغيرهما فلماذا الهجوم علي «السادات»، وقد كان داهية سياسية استطاع ان يستغل الموقف الدولي والسياسي والعسكري لصالح وطنه، فمن يهاجمونه مازالت تنقصهم الرؤية والمعلومات، وأذكر قبل السفر إلي أمريكا لبدء المباحثات في 10/10/1978، قيل لنا الرئيس يطلب الوفد المفاوض لتقديم التوجيهات وقابلناه في استراحة «الهرم» ووقفنا نصف دائرة ووقف «السادات» أمامنا متكئاً علي عصاه كالمعتاد فتوقعنا أننا سنحصل علي توجيهات من رئيس الجمهورية، ولكنه فاجأنا قائلاً: «أنا عاوزكم تروحوا وتجيبوا الأرض، مع السلامة».. وانتهي اللقاء ولم يقول لنا كيف أو ما هو المقابل الذي ستدفعه؟ فقط حوّل الأرض إلي هدف استراتيجي وترك التفاصيل بالكامل للوفد المفاوض وبالفعل رجعنا له الأرض لأن المفاوض المصري لم يفرط ولم يتنازل أو يرضخ لأي ضغوط وحقق الهدف.
< وبماذا ترد علي الذين يتهمون معاهدة السلام بأنها جعلت سيناء منزوعة السلاح؟
- أقول إن هذا كذب وافتراء لا يليق، فالبعض يقول سيناء منزوعة السلاح والبعض يقول بها قوات محدودة(!!) ولا يعرفون أن قواتنا المتواجدة في سيناء داخل المنطقة (أ) فرقة مشاة ميكانيكي مدعمة قوامها (22) ألف جندي مصري وبها (240) دبابة و(480) عربة مدرعة هذا بخلاف التجهيزات الهندسية، وطائرات الهليكوبتر و(137) قطعة مدفعية ميدان، ومصر لا تحتاج أكثر من هذا ونحن الذين حددنا حجم هذه القوات، وسيناء علي مدي التاريخ لم يكن بها غير عساكر «الهجانة» بالجمال.. وأقول لهؤلاء ألا تعرفون أن وزير الدفاع يحضر المناورات العسكرية في سيناء؟ فكيف تكون منزوعة السلاح؟!.. والمنطقة (ب) بها (4) أفواج من سلاح الحدود بتسليحهم الكامل والمنطقة (ج) المتاخمة للحدود بـ (20) كم بها شرطة مدنية لتنفيذ مهام الشرطة من متابعة المهربين والمجرمين ومنع المتسللين من هنا إلي هناك والعكس، ونحن أيضاً الذين حددنا عددهم.. وكان يشترك معنا جنرال أمريكي من البنتاجون وعند اقتراح فرقة مشاة ميكانيكي قال: لكن القوات المسلحة المصرية ليس بها فرقة بهذا التنظيم والتسليح، ورد عليه الفريق «كمال حسن علي» هذا تنظيم خاص لمهمة محددة في منطقة محددة فصمت.
< دور قوات الأمم المتحدة في سيناء وهل لأمريكا دور خاص مع هذه القوات؟
- لا.. وهذا مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة لا يوجد شيء اسمه الوجود الأمريكي في سيناء أو أي ابتزاز أمريكي لمصر لان مصر دولة حرة صاحبة قرار وسيادة وهناك القوي المتعددة الجنسيات وهي بديل لما أطلق عليه منذ 1956 قوات الطوارئ الدولية، وإسرائيل سألتنا من يضمن تنفيذ بنود المعاهدة فقلنا مصر تضمنها بتعهداتها وتاريخها وقواتها.. فاقترحوا وجود قوات من الأمم المتحدة لتراقب الأوضاع دون تدخل منها لتعرف من يريد خرق بنود المعاهدة، وهذه القوي تتكون من قوات (11) دولة ونحن الذين اختارناهم وقد رفضنا وجود قوات من جنوب افريقيا لانها كانت تحت الحكم العنصري، ورفضنا أيضا وجود قوات من عدة دول واستقررنا علي وجود (11) دولة من ضمنها أمريكا واستراليا وفيجي، ونيوزلاندا، وكندا، وفرنسا وإيطاليا، وكل عنصر من هذه القوات له تشغيل معين، بعضهم يختص بالطائرات وغيره بالسيارات وإدارة كاسحات الألغام، ومراقبون، وقيادة، وهكذا.. وتعداد كل هذه القوات (2000) فرد فقط لا غير ووظيفتها المراقبة والإبلاغ ولا تتدخل لمنع مخالفة ولا تحرس حدوداً ولا تتدخل في شئوننا ونحن الذين نسيطر عليهم والقوات المصرية تخصص لهما المهام وتراقبها في تنفيذها ولو تجاوزت يحق لنا أن ننهي وجودهم في سيناء، ومن ضمنها قوات الولايات المتحدة الأمريكية مثل أي عنصر مراقب ليتأكدوا أننا لن نهجم علي إسرائيل بالمفاجأة أو أن إسرائيل تهجم علي مصر بالمفاجأة إذن هم مخصصون لمهمة محددة فأين دور الأمريكان؟
بطاقة شخصية
< لواء بحري محسن حمدي
< دفعة 1952

< خاض حروب مصر منذ 1956 وحتي 1973
< رئيس اللجنة العسكرية المصرية لمفاوضات السلام وعودة طابا
< عضو مفاوضات الانسحاب من سيناء بواشنطن
< رئيس وفد مصر لتأكيد خط الحدود مع إسرائيل
< رئيس الوفد المصري لتنفيذ الانسحاب من طابا
< عضو اللجنة العليا لـ «طابا» برئاسة الخارجية
< نائب مدير المخابرات
< مساعد وزير الدفاع
< الشاهد الرئيسي أمام التحكيم بسويسرا «جنيف»