عددالزائرين الان

الجمعة، 16 يناير 2015

التنين الأصفر يغزو "شق الثعبان"يهدد بتشريد 2300 عامل مصري

زمان.. نظر الأقدمون إلي المنطقة الجبلية الممتدة شرق الأوتوستراد بمنطقة طرة المعادي فوجدوها ملتوية الطرق «متعرجة المدقات، ضيقة المسالك، فأطلقوا عليها اسم «شق الثعبان»..
الآن لم يعد اسم «شق الثعبان» معبرا عن تلك المنطقة فالاسم الأكثر تعبيرا عنها حاليا هو «شق الصينيين»..
فـ«الشق» الممتد بطول 6 كيلومترات وعرض كيلومترين، لم يعد فقط إحدي أكبر المناطق المتخصصة في صناعة الرخام، ولكنه صار أيضا أكبر موطنا للصينيين في مصر!..
فما أن تطأ قدمك منطقة «الشق» إلا وتجد في استقبالك.. سحابة من غبار الرخام المتطاير بلونه الأبيض، وأعداد غفيرة من الصينيين بملامحهم المميزة التي لا تخطئها عين.. ستجد بعضهم يمشي مترجلا وآخرون يتنقلون بسياراتهم الملاكي وفريق ثالث يعمل بهمة داخل المصانع وورش الرخام.. ومن كثرة أعداد الصينيين ستشعر وكأنك في ولاية صينية ولست فوق ارض مصرية!..
وهذا المشهد يثير علامات استفهام كثيرة .. فما الذي يفعله الصينيون في شق الثعبان؟.. ولماذا يتواجدون هناك بتلك الكثافة؟.. ثم لماذا اختاروا شق الثعبان بالذات؟
إجابة تلك الأسئلة لها علاقة وثيقة بصناعة الرخام, فمنطقة شق الثعبان لها شهرة كبيرة في صناعة الرخام و الجرانيت، اذ تضم أكثر من 400 مصنع وحوالي1000 ورشة متخصصة في تصنيع الرخام والجرانيت ولهذا تنقل اليها الكتل الكبيرة من الرخام والجرانيت من محاجر رأس غارب والعين السخنة والمنيا، وأسوان والأقصر وهناك يتم تقطيعها وتصنيعها وبيعها محليا أو تصديرها إلي الخارج.
حكايات كثيرة سمعتها من مستثمرين وعمال مصريين في شق الثعبان وجميعها تدور في فلك واحد وهو ان وجود وجود الصينيين في شق الثعبان يسبب نزيفا للاقتصاد المصري وحربا علي الصناعة الوطنية وعدوانا علي المستثمرين المصريين وقطعا لأرزاق آلاف العمال والفنيين المصريين.
وحكاية الصينيين مع شق الثعبان تعود إلي حوالي 10 سنوات عندما بدأوا يتسللون إلي «الشق» واكتفوا ساعتها بشراء بلوكات الرخام الخام ثم نقلها إلي الصين لتحويلها إلي منتجات رخامية مختلفة واعادة بيعها وتصديرها إلي عدة دول من بينها مصر ذاتها والعجيب انهم كانوا يصدرون بلوك الرخام بما يعادل 15 دولارا وهو سعر أقل من تكاليف نقل بلوك الرخام من اي محجر الي منطقة شق الثعبان!
ووجد الصينيون ان هذه العمليات تحقق لهم أرباحا خيالية فكثفوا من تواجدهم في شق الثعبان ولم يكتفوا بشراء كتل الرخام وإنما أغروا بالمال كثيراً من أصحاب المصانع والورش واستأجروا منهم مصانعهم وورشهم وأداروها بأنفسهم!.. ووصل ما تستأجره الصينيون في شق الثعبان إلي حوالي 30% من المصانع و25 % من الورش حسب تقديرات مصطفي إبراهيم - صاحب مصنع رخام بشق الثعبان وعضو مجلس مصنعي الرخام.. وهذه النسب تعني ان الصينيين يسيطرون حاليا علي حوالي 120 مصنع رخام و250 ورشة لتصنيع الرخام في شق الثعبان.
وأرجع «مصطفي إبراهيم» نجاح الصينيين في السيطرة علي هذا العدد الكبير من المصانع والورش إلي تعثر كثير من المستثمرين المصريين في شق الثعبان فضلا عن العروض المغرية التي يقدمها الصينيون بالاضافة الي دعم الحكومة الصينية للمستثمرين الصينيين في مصر.. ويقول «يعرض الصينيون تأجير الورشة أو المصنع لمدة 5 سنوات ويدفعون الإيجار مقدما وكاش وللأسف يفضل الكثيرون هذا النوع من التأجير فيأخذوا فلوس الإيجار التي تصل أحيانا إلي 600 ألف جنيه «ويريحوا دماغهم» من الشغل ومشاكل العمال والضرائب وفواتير المياه والكهرباء ويتركون «الجمل بما حمل للصينيين» وفي المقابل فإن كل مستثمر صيني يتقدم بطلب للحكومة الصينية مرفقا به عقد إيجار ورشة أو مصنع في شق الثعبان فان حكومتهم تسارع بتلبية كل رغباته فتمده بأحدث الأوناش وآلات التقطيع بضمان عقد الإيجار أما الحكومة المصرية وحتي البنوك العاملة في مصر فيرفضان مد يد العون للمستثمرين المتعثرين في شق الثعبان مهما قدموا من ضمانات».
ويضيف: «في الغالب يستعين الصينيون في المصانع والورش التي استأجروها بعمالة صينية وهي للأسف أقل سعرا وأعلي مهارة من العمالة المصرية وبالتالي فقد كثير من العمال والفنيين وظائفهم بسبب غزو العمالة الصينية وبدأت العمالة المصرية في شق الثعبان تنقرض لصالح العمالة الصينية، حتي المصانع والورش التي لم يتم تأجيرها للصينيين تفضل أغلبها العمالة الصينية والسبب ان العامل المصري في شق الثعبان يحصل علي أجر يومي يتراوح بين 50 و60 جنيها أي انه يحصل شهريا علي حوالي 2000 جنيه وهذا العامل لا يتقن العمل الفني ولهذا يضطر صاحب الورشة أو المصنع إلي الاستعانة بـ«صنايعية» يحصل كل منهم علي 120 جنيهاً يوميا أي 4200 جنيه شهريا في حين ان العامل الصيني يؤدي دور العامل والفني في نفس الوقت ولا يحصل سوي علي 500 دولار شهريا أي أقل من 4000 جنيه ولهذا يفضل أصحاب أغلب المصانع والورش الاستعانه بالعمال الصينيين خاصة أنهم يقيمون داخل المصانع والورش مما يتيح لهم فرصة العمل لساعات أطول يوميا».
مفاجأة التنين الأصفر
ويكشف المهندس ابراهيم الهادي مدير مصنع الهادي للرخام بالبساتين مفاجأة غريبة مؤكدا ان الصينيين كثفوا نشاطهم في منطقة شق الثعبان في حين انهم لم يجرؤوا علي دخول مناطق أخري متخصصة في صناعة الرخام مثل البساتين.. وقال «أبناء التنين الأصفر نجحوا في غواية أصحاب مصانع وورش الرخام في شق الثعبان ولكنهم لم يتمكنوا من اختراق مناطق البساتين وبدر و6 أكتوبر وعرب أبوساعد والكريمات وجميعها متخصصه في تصنيع الرخام والجرانيت».
وأضاف: «أغلب الصينيين العاملين في مجال الرخام بمصر دخلوا إلي البلاد إما بطريقة غير شرعية أو بتأشيرات سياحية مدتها 3 شهور ثم رفضوا مغادرة مصر ولم يجدوا أفضل من منطقة شق الثعبان للإقامة فيها حيث إنها منطقة جبلية ويسهل الاختباء فيها ولهذا دخلوا «الشق» ولم يخرجوا منه وأقاموا داخل المصانع والورش التي يعملون فيها وبعضهم يخرج ليلا لاصطياد الكلاب لتناول لحومها».
وأضاف: «وجود الصينيين هنا أضر بجميع مستثمري الرخام في مصر كلها، فالصينيون بدأوا نشاطهم في شق الثعبان بشراء الرخام والجرانيت بعد تقطيع البلوكات فى المصانع، واكتفوا بمهمة تلميعه فى المصانع الصينية المستأجرة، وكانت المصانع المحلية تحقق هامش ربح معقولاً ولكنهم لم يكتفوا بذلك، إذ صاروا يشترون بلوكات الخام كاملة دون تقطيع ليتولوا مهمة التقطيع والتلميع والتصنيع إلى منتج نهائى، ثم يطرحونها للبيع بأسعار أقل من مثيلاتها المصرية لأن معداتهم وعمالهم التي يستقدمونها من الصين، تتيح لهم إنتاج رخام أقل من نظيره المصري بفروق تتراوح بين 10% و25%، مما يجعل المستهلك يتجه للشراء منهم والعزوف عن الشراء من المصانع التى يديرها ويعمل بها المصريون».
ويؤكد السيد سالم صاحب ورشة تصنيع رخام بشق الثعبان ان انتشار العمالة الصينية خاصة بعد يناير 2011 تسبب في الاستغناء عما يزيد علي 2300 عامل مصري واستبدل بهم 1000 عامل صيني!
وأشار محمد عيد أحد العاملين بتجارة الرخام الخام إلي ان طن الرخام المصري الخام يباع بما يتراوح بين 200 إلي 210 جنيهات.. ويقول: «الصينيون يقومون بمسح الرخام الخام وتلوينه ثم يعيدون بيع المتر الواحد منه بـ300 جنيه».