عددالزائرين الان

الاثنين، 8 فبراير 2016

بالقانون والبلطجة .. مناجم مصر في قبضة اللصوص

في الوقت الذي تبحث خلاله الجماهير عن نقطة ضوء وسط بحار من الرمال المتحركة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وفي اللحظة التي يعلن فيها رأس الدولة أنه لابديل أمام الأمة سوى اقتحام الصعاب وشد الأحذمة على البطون ومحاربة الفساد في كل المرافق يبدو الواقع على الأرض أكثر مأساوية وغرابة فثروات مصر المعدنية تتعرض للنهب وللمفارقة فإن عملية استنزاف تلك الكنوز تتم بحماية قانونية،

أما المثير للصدمة فإن القانون الذي يوفر الحماية للنهب العام مضى عليه نصف قرن تقريباً، أما الثروة المنهوبة فتعد من أندر أنواع المعادن التي عرفتها البشرية والخاصة بالرخام والجرانيت، حيث تمتلك مصر احتياطيا هائلا من أجود تلك الخامات ولكن للأسف وفي تطور غير طبيعي للفساد تضافرت هذه المرة جهود حيتان المحليات مع جشع المستثمرين الاجانب وجلهم من الصين من أجل نهب تلك الثروات في وضح النهار بينما من يعملون في تلك المهنة من أحفاد الفراعنة باتوا على حافة التسول بعد أن حاصرتهم الديون على اثر نسج شبكات الفساد خيوطها حول عملهم الذي ورثوه عن آبائهم قبل أن يقفز الصينيون لحلبة التنافس ويستولون على كنوز مصر في الوقت الذي تذهب حكومات وتأتي حكومات ولا أحد يلتفت لصرخات العاملين في المناجم من المصريين بل وتصل المأساة لذروتها حينما نكتشف أن حجم العائدات المتوقعة تتجاوز 150 مليار جنيه التي كان بوسعها أن تكون أنبوبة أوكسجين لإنقاذ الاقتصاد الوطني الذي يقف على شفا الموت في انتظار من يدفع في شرايينه بالورقة الخضراء من جديد.

كنوز المحاجر بـ "ملاليم"
تعتبر المحاجر والمناجم، الباب الملكي للفساد ونهب المال العام، وأسهل الطرق للثراء السريع.. فمن سيطرة كبار المسئولين في المحافظات والمحليات عليها، والمكاسب التي يحققونها بدون وجه حق، الى تراجع دور هيئة الثروة المعدنية، واختفاء دور المختصين بالثروة المعدنية تماماً.. كل ذلك تسبب فيه قانون رقم 86 لسنة 1956.. حتى صارت الفوضى سمة مناطق الكنوز التعدينية المنهوبة، مما يعني ضياع أموال مصر دون رقيب أو حسيب، بل أنها تتم بحماية القانون وعلم المسئولين!
ويكفي أن نشير الى وجود 500 منجم يتم تأجيرها لمستفيدي المحاجر بـ «ملاليم»، وتصدير المواد الخام «بتراب الفلوس»، في ظل ثبات اسعار بيع ثروات المناجم والمحاجر، ثم يتم استيرادها، بعد تجهيزها في الخارج بآلاف الجنيهات، رغم تضاعف عجز موازنة الدولة حالياً لتصل 254 مليار جنيه، الأمر الذي يستحق من رئيس الدولة أن تمتد يده إليها كي يحكم السيطرة علي ثروات المحاجر المصرية المنهوبة.
ومن قبيل المفارقات التي لا يقبلها العقل أن يكون أقصى غرامة مالية للمحاجر المخالفة 100 مليم، ورسوم استغلال المنجم أو المحجز 2 جنيه، و50 جنيه هي قيمة رسوم تأجير منجم بمساحة 2 كيلو متر، واتاوة الرمال بـ 20 مليماً، وطن «الدبش» بـ 15 مليماً، ومتر الطمي والطفلة بمختلف أنواعها بـ 75 مليماً، وطن «الجبس» بـ 50 مليماً.
هذه الارقام حقيقية وليست نكتة، فهذه هى أسعار عام 1956، وفقاً للتعريفة المعمول بها التي تقدر بـ«الملاليم» حسب المادة «27» من القانون 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر.. والذي لايزال سارياً حتي الآن!
إنها دعوة لإصدار تشريع قانوني عاجل يقضي بتبعية المحاجر لإشراف وزارة المالية، وإلغاء دور المحليات عن منح التراخيص، لانقاذ ما تبقى من المال العام، والمحافظة على مقومات الصناعة المحلية من الرخام والجرانيت، والعمل على حسن استغلالها، خاصة أنها من الصناعات التي تدر دخلاً وفيراً للخزانة العامة للدولة، ونتساءل: لماذا غابت خطة الثروة المعدنية في مصر.. وما هو دور المجلس الأعلى للثروة المعدنية؟
والبداية مع منطقة شق التعبان.. تعد أكبر تجمع لصناعات الرخام والجرانيت، ليس في مصر فقط، وإنما على مستوى العالم، وتضم 1600 مصنع، و350 ورشة، و15 معرضاً لصناعات الرخام والجرانيت التكميلية.
ويقول حسين الصعيدي، أحد تجار الرخام بمعرض مصطفى الحلواني، منطقة شق الثعبان: منذ 15 عاماً، وطبيعة عملي في الرخام والجرانيت، وهي مهنة آبائنا واجدادنا، لكنها أصبحت لا تغطي تكاليفها.. كما أن بقاءنا في المكان بات مرهوناً، باستكمال الاتفاق مع صاحب المحجر، وتكلفة الايجار تبلغ 7000 جنيه شهرياً، أما جرف الأرض وتوفير الخدمات والبنية الاساسية يتحمل مسئوليتها المستأجر كاملة، مما فاقم من سوء أوضاع العمال والتجار.
وأوضح أن رسوم تأمين المعرض تبلغ 25 ألف جنيه، وطلب الاستئجار مدون به مدة عامين، لمحجر خام تبلغ مساحته 1000*1000 متر مربع، وهذه الطريقة يتم فرضها على جميع المستفيدين بالمنطقة، والذي يصل عددهم 15 معرضاً، و1600 مصنع وورشة لتصنيع الرخام والجرانيت، لكننا لا نتعامل مع المحليات نهائيا، بل ندفع الايجارات الشهرية لبدو الجبل، أو كما يطلقون عليهم هناك «العرباوية» مقابل الحماية، مع العلم أن جميع أسماء هؤلاء العرب معروفة لدى قسم الشرطة التابع للمنطقة هناك.
وأضاف أن الحاوية القادمة من الخارج والتي يصل وزنها 800 طن، لايزيد صافي الربح فيها على 10٪ فقط، هذا بعد حصول الدولة على حقها في الضرائب والرسوم الجمركية، ويضاف الى ذلك رفع رسوم استخراج حاويات رخام بمبلغ 450 جنيهاً، حيث تدفع عن حاوية رخام، غير أجور العمالة المدربة وعددهم 4 أفراد بالمعرض، بخلاف تكاليف العمل من مصاريف النقل والمشال التي تستحوذ على 25٪ من اجمالي الربح.
ويتساءل «الصعيدي»: كيف يمكن لنا أن ندفع إيجارات مرتفعة، والعوائد المالية بسيطة للغاية، ولاتزيد على 10٪.
لافتاً الى أن ارتفاع سعر الدولار أثر  على كل مدخلات الصناعة، وكان له تأثيره الأكبر على الصناعة، وهو ما أدى الى تآكل هامش الربح، بل وتحوله لخسائر مستمرة.

مصر.. المركز الثالث عالمياً
وتحدث أحمد عبد المنعم، صاحب معرض رخام وجرانيت بالمنطقة، عن تاريخ منطقة شق الثعبان التي تمثل ثالث منطقة صناعية على مستوى العالم، من حيث الدقة الشديدة والجودة العالمية للخامات المحلية، بعد كل من ايطاليا والصين، والتي تتعامل مع مختلف الثروات المعدنية التي تبدأ من أسوان جنوباً حيث مناجم الحديد، لتصل الى سواحل مصر الشمالية حيث محاجر الجبس.
كما يتم الاستيراد من دول تركيا وايطاليا والهند والصين واسبانيا، ويأتي الرخام المستورد في «كونتينرات» أو حاويات كبيرة، ثم تنقل بعد ذلك الى المخازن، ويجري تصنيفها حسب نوع الخامة، ودرجة الجودة، وهو ما يحدد سعر كل طاولة رخام في المعارض، وطبعاً أفضل أنواع الرخام المستورد يسمى الكرارة أسود، وأخضر هندي، ووادي فرسان، وبتشينو ايطالي، وامبرادور اسباني، وكريما مارفيل اسباني، وريشيا، وبريشيا ارورا، وبريشيا دانيو ويتراوح أسعارها بين 140 و8000 جنيه، مما أدى الى زيادة الإقبال على هذه الخامات المستوردة.
وأضاف «عبد المنعم»: يوجد نزاع بين قطاع مصلحة السجون ووزارة الطاقة على أرض المحاجر بمنطقة شق الثعبان، لسنوات طويلة ماضية وحتى الآن، وعرب المنطقة يقومون بدور الوسيط بين أصحاب المحاجر ونحن كمستأجرين، حيث يتحصلون علي مبالغ مالية من كل مستأجر شهرياً، ونحن كمستفيدين ندفع هذه الاتاوات لتفادي شرهم.

جباية حكومية
من جانبه يقول سعيد فتحي «عامل» بأحد المعارض الموجودة بمدخل شق الثعبان منذ 10 سنوات: يعاني صاحب المعرض طوال الأعوام الماضية من «عرب الجبل» الذين قاموا بتقسيم منطقة شق الثعبان، ومنهم عدد كبير من البلطجية ويقومون على الفور بتحصيل الايجارات الشهرية من كل مستأجر لصالح اصحاب المحاجر، وفي حالة التأخر عن السداد وقتها تحدث ضجة، والحكومة تعلم جيداً أسماء من يتعاونون مع الحرامية الكبار بالمحليات، لكنها تتركهم بلا محاسبة أو رادع، الامر الذي أصبح بمثابة قانون سائد هناك.
أما الحاج محمد علي حسين، أحد المستأجرين لمعرض عقيلة بني هاشم بالمنطقة، فيقول: هاجرث أكثر من 20 سنة في السعودية وراء البحث عن لقمة العيش بالحلال، وتحقيق المكاسب الكبيرة، ولكن الوضع الآن ازداد سوءا عما سبق فرؤوس المال تتآكل بسبب الايجارات الشهرية المرتفعة، والإتاوات الاضافية للبدو مقابل الأمن، ومصاريف العمل، والنتيجة تراكم الديون والخسائر في تجارة الرخام المستورد.. فمساحة ارض المعرض 250 متراً مربعاً، والقيمة الايجارية بواقع 6000 جنيه شهرياً، ومدة عقد الاستئجار على عامين فقط، والمشكلة القادمة في البحث عن مكان آخر بعد انتهاء المدة المحددة.
مشيراً الى أن مصر بها الكثير من الثروات المعدنية التي وصفها بـ «خزائن الارض» القادرة على دفعها الي الأمام نحو الازدهار والتنمية.
واستكمل الحديث علاء نديم، مدير المعرض، قائلا: إن هناك أنواعاً من الرخام المصري لا حصر لها منها جلالة، وصني، وصني فلور، والباسترا، وكريستا، وفيلتو، وتريستا، وهاشمة، وبرايشيا مصري، وملي براون، وزمزم، وسيرجنت، ونيوجيراي، وسلفيا فص، وأخضر مصري، وسماحة، أما انواع الجرانيت المصري هي أحمر أسوان «فاتح وغامق» ونيو أحمر اسوان، وفيردي «أصفر واخضر» وأسود أسوان، ونيو جلايب، وروزه النصر، وكميت، ورويال، وغردقة، وجندولا فاتح، ورمادى «فص كوني وفص سادة» وروزه هودي، وسفاجا، وفرسان.. وهذه المنتجات القادمة من محافظات المنيا والغردقة والعريش، تعد أفضل الخامات المحلية عالية الجودة، التي تستخدم في تطعيم الأثاث والخشبيات وغيرها من أعمال الرخام والجرانيت لكافة المستويات والمشاريع السكنية والاستثمارية.
وبالنظر سريعاً الى قائمة الاسعار، نجد أن الرخام المصري يتراوح سعره بين 45 و160 جنيها، بينما الجرانيت المصري بين 110 و320 جنيها، لافتا الى أن 70٪ من الجرانيت المصري يصدر لدولة الصين.
والتقط عطية عثمان، «عامل» بشركة طيبة للرخام والجرانيت بشارع العضم بمنطقة شق الثعبان، طرف الحديث، قائلا: أهم الخامات التي تنتجها المحاجر هي الرخام والألباستر والجرانيت، الذي يدخل في صناعات البناء والتشييد والرصف والأثاثات وغيرها من الصناعات كثيرة الربحية.. لهذا السبب استحوذ المستثمرون الصينيون على 30٪ من المصانع والورش بمنطقة شق الثعبان أما بالايجار أو التمليك، هذا بالاضافة الى الجنسيات الاخري التي غزت مصر خلال الفترة الاخيرة ومنها الليبية والسورية، الامر الذي أدى الى تراجع مصر في صناعة الرخام العالمية، بسبب استيرادهم الرخام كمادة خام، وكذلك أثر بالسلب على تواجد المصريين في المنطقة باعتبارها مكانا ملائما لحل مشكلة البطالة المتفاقمة.
متابعاً: الصينيون يقومون باستئجار المحجر مساحة 300 متر بمبلغ 5000 جنيه شهرياً، ويتعاملون مع أصحاب المحاجر للحصول علي الخامات المصرية في شكل بلوكات دون تصنيع، وإعادة تصديرها وتصنيعها فنياً، ثم تسويقها في السوق المحلي، حسب الاسعار العالمية المرتفعة التي لا يمكن مقارنتها بأسعار شرائها من المحاجر المصرية.. وهذه المصانع تعتمد بشكل أساسي على العمالة الفنية الصينية، لدرجة أن هناك مصانع تبلغ نسبة العمالة الصينية فيها 100٪ مما يهدد صناعة الرخام في مصر، ويؤدي الى تعثر بعض المصانع، ومن ثم تسريح العمالة المصرية وزيادة طابور العاطلين في البلاد.
ووافقه الرأي السابق محمد سيد، مدير شركة فرنست للرخام والجرانيت بشارع عظم بالمنطقة، مضيفاً أن مهنتنا التي نتكسب من ورائها باتت لا تجلب الارباح بسبب إصرار الصينيين على شراء مصانع الرخام، الذي يضر بالاقتصاد المصري، لأنهم يسعون لتحقيق المكاسب، ونهب ثروات مصر المعدنية، حيث إن مدة العقد الموقع في حالة الايجار 10 سنوات، بين المالك المصري والمستثمر الصيني، ويقومون بدفع قيمة ايجارية بسيطة للغاية، في مقابل استغلال المحاجر وتحقيق الأرباح الطائلة من تصدير المنتجات المصرية للخارج.
وأشار الى أن مساحة الشركة هي 2000 متر مربع، ويتمثل نشاطها في انتاج وتسويق مواد البناء من رخام وسيراميك وجرانيت التي تدخل في صناعات البناء والتشييد بفضل الأيدي العاملة المصرية بالشركة وعددهم 6 أفراد ومرتباتهم من 65 - 130 جنيهاً.