عددالزائرين الان

الأحد، 11 يونيو 2017

50 عاماً على احتلال «مدينة الله»

خمسون عاماً مرت علي احتلال مدينة القدس، لكنها رغم الاحتلال مازالت تقف شامخة تقاوم المحتلين الذين حاولوا العبث بمقدراتها، ومكوناتها الحضارية.
خمسة عقود من التهويد ومازالت أيقونة المدن العربية، تعيش مأساة إنسانية نتيجة إرهاب عصابات الصهاينة، التي ارتكبت عشرات المجازر في حق الشعب الفلسطيني، ومارست أعمال النهب والتدمير.
ستظل القدس صورة بديعة لكل الديانات السماوية رغم أنف الصهاينة المجرمين، ولن تحترق أو تتهود، فهي مدينة الله وحلقة الوصل المكانية بين الإنسان والسماء.
 
المفاتيح الفلسطينية تحلم بالعودة إلى الأبواب القديمة
 
عندما طرد أكثر من 750 ألف فلسطينى من منازلهم عام 1948، فيما عرف بنكبة فلسطين، لم يكن هناك وقت لحمل شىء سوى الذكريات، ومن حالفه الحظ أكثر، استطاع أن يحصل على مفتاح بيته، تلك المفاتيح التى تشردت مع أصحابها فى قارات الدنيا الست، التى ربما مات أصحابها، وهم قابضون عليها، فتلقفتها أيدى الأبناء الذين استقبلتهم الحياة كلاجئين فى أزقة المخيمات، وعلى الرغم من كوابيس النكبة والتشريد التى ظلت تهاجم هؤلاء الأبناء، ظلت أحلام العودة إلى بيوت، لا يملكون منها سوى مفاتيحها، أيضاً تراودهم، مصرين على تحقيق أحلام آبائهم، فى العودة إلى أرضٍ عاشوا فيها عبر حكايات الآباء والأجداد.
لقد أطلق الفلسطينيون على أنفسهم لقب «المنكوبين»، معبرين عن المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير منهم خارج دياره، و تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، وهى السنة التى طرد فيها الشعب الفلسطينى من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح، إقامة الدولة اليهودية- إسرائيل، وشملت المأساة احتلال معظم أراضى فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يربو على 750 ألف فلسطينى وتحويلهم إلى لاجئين، كذلك وقوع عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية، وطرد معظم القبائل البدوية التى كانت تعيش فى النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية، وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعى أوروبى.
على الرغم من أن السياسيين اختاروا 1948/5/15 لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، فإن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك، عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرى وبلدات ومدناً فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر فى سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً . 
ففى الخامس عشر من مايو من كل عام، يحيى الفلسطينيون، ذكرى نكبة فلسطين التى ألمت بالأمة العربية فى عام 1948، بعدما أعلن المجلس اليهودى الصهيونى فى الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 14 مايو عام 1948، فى تل أبيب أن قيام «دولة إسرائيل» سيصبح سارى المفعول فى منتصف الليل، ونشر الرئيس الأمريكى هارى ترومان رسالة الاعتراف بالكيان الصهيونى بعد إعلانها ببضع دقائق، فيما اعترف الاتحاد السوفيتى بـ«إسرائيل» بعد إعلانها بثلاثة أيام، وتزامن هذا الأمر مع طرد وتهجير الفلسطينيين من 20 مدينة ونحو 400 قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءاً من الدولة الجديدة آنذاك «إسرائيل» بحسب بيانات عن المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات .
وخلال تلك الأحداث لقى عشرة آلاف فلسطينى على الأقل مصرعهم فى سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولاً، وأصيب ثلاثة أضعاف هذا الرقم بجروح وهجر نحو 700 ألف من سكان فلسطين، كما خلفت هذه النكبة وراءها حوالى 900 ألف لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية، نزحوا إلى الجنوب المتبقى فى قطاع غزة وإلى الشرق فيما أصبح يعرف بالضفة الفلسطينية وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان.
وفقد ما يزيد على 700 ألف فلسطينى منازلهم وممتلكاتهم ومزارعهم وأعمالهم وبلداتهم ومدنهم حيث أجبرتهم الميليشيات اليهودية والجيش الإسرائيلى لاحقاً على الرحيل بهدف خلق «دولة» ذات أغلبية يهودية فى فلسطين، ثم عمدت «إسرائيل» إلى نقل اليهود بسرعة إلى منازل الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم، وأدى هذا الحدث الأليم إلى ظهور أزمة اللاجئين الفلسطينيين، حيث بات ثلثا الشعب الفلسطينى مشرداً فى المنفى، وتشير التقديرات إلى أن نحو 50% منهم تم ترحيلهم بفعل الاعتداء العسكرى اليهودى المباشر عليهم، فى حين اضطر الآخرون للرحيل بفعل انتشار أنباء المجازر التى ارتكبتها الميليشيات اليهودية فى القرى الفلسطينية، مثل دير ياسين وطنطورة. ‏
ويقول المؤرخ الإسرائيلى «توم سيغيف» عن ذلك «أن هناك مئات من القرى التى تم إخلاؤها من أهلها، واستقدام مهاجرين يهود جدد إليها، فمضى الأحرار العرب إلى المنفى وأصبحوا لاجئين معوزين، وجاء اللاجئون المعوزون اليهود ؛ ليحلوا محل المنفيين، كخطوة أولى نحو تحولهم إلى أناس أحرار، وهكذا فقد الفلسطينيون كل ما يملكون، وحصل اليهود على كل ما احتاجوا إليه من أثاث وأدوات مطبخ وكتب وأجهزة راديو وحتى الملابس والحيوانات الأليفة».  ‏
وحتى اليوم، تتواصل عمليات الطرد والتهجير القسرى التى تمارسها حكومات «إسرائيل» المتعاقبة بحق الشعب الفلسطينى من خلال هدم البيوت فى القدس والضفة الفلسطينية وتدمير آلاف المنازل كما حدث خلال الحروب العدوانية الأخيرة التى شنها الجيش الإسرائيلى الصهيونى على قطاع غزة، ومصادرة الأراضى وضمها بغرض بناء جدار الفصل العنصرى على أراضى الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية والاعتداء على المسجد الأقصى، وما زال الفلسطينيون يحلمون بالعودة إلى بيوتهم، التى يعلقون مفاتيحها فى أعناقهم على أمل أن يدور المفتاح فى الأقفال الصدئة ولو مرة واحدة.