عددالزائرين الان

الخميس، 14 مارس 2013

تاريخ الإخوان المسلمين(1):من الصناعة الغربية إلى صفعة بن لادن

لعل أغلب القراء الأعزاء على اطلاع حول الهجمة الأخيرة التي تعرضت لها دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل حركة الإخوان المسلمين بعد قيام حكومتها بسحب الجنسية من سبعة أفراد، منحوا الجنسية "بحكم التجنس"، وتم سحبها استناداً إلى المادة 16 من قانون الجنسية الخاص بدولة الإمارات رقم 17 لسنة 1972 والقانون المعدل عليه تنص على أنه تسحب الجنسية عن المجنَّس "إذا أتى عملاً يعد خطراً على أمن الدولة وسلامتها أو شرع في ذلك".

وقد يكون الحديث حول هذا الأمر قديماً نسبياً، كما أنني ترددت كثيراً في كتابة هذه الورقات التاريخية التي تكشف جوانب مهمة وخطيرة من حياة الحركة الإخوانية في الوطن العربي على حلقات عدة، ولكن ونظراً لسذاجة حركة الإخوان في دولة الإمارات، قررت كتابتها اعتماداً على مصادر وكتابات غربية.
في بداية العصر العباسي، وعلى مدى امتداده لقرون عدة، ظهرت مجموعات من الفرق الإسلامية الكلامية المتأثرة بالأفكار الفلسفية القديمة لثقافات أوروبية وآسيوية، ثم تصدى لها بعض المشايخ، كالحسن البصري والأشعري والغزالي وابن حنبل.

وبعد سقوط بغداد على أيدي المغول عام 1258 ظهر ابن تيمية لحماية عقيدة التوحيد، ومن بعده تلامذته كابن قيم الجوزية، وابن كثير، وفي النصف الثاني من القرن الـ18 ظهرت الحركة السلفية ومؤسسها محمد بن عبدالوهاب.


وبعد تعرض العالمين العربي والإسلامي للاحتلال الغربي، برز من حاول إصلاح الفكر الإسلامي، كجمال الدين الأفغاني وعبدالقادر الجزائري ومحمد عبده والكواكبي والألوسي وغيرهم، وكانت أفكارهم ذات طابع فكري اجتماعي.

ثم شهد العالم العربي ظهور التنظيمات الإسلامية المعاصرة لمواجهة الاستعمار الأوروبي بعد إلغاء الخلافة العثمانية عام 1924 وشهد عام 1928 ظهور تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، على يد مؤسسه حسن البنا، الذي كان يبلغ حينها 22 سنة فقط، ولا أعلم هنا أي فكر عاقل يُؤخذ من شاب في هذه السن، ثم تعرض للاغتيال عام 1949 بعد أن ضاقت الحكومة المصرية ذرعاً به وبجماعته، وكان التنظيم قد تم حله عام 1948.

مقتل البنا وحل التنظيم لم يؤثرا كثيراً في أتباعه، بل ازدادوا انتشاراً في الوطن العربي، وأصبحت لهم فروع في مختلف البلدان العربية، لممارسة نشاطات يُقال عنها إصلاحية، لكنها في الحقيقة سلطوية، واستغلت ضعف الوعي الفكري، خصوصاً في منطقة الخليج، التي تعرضت مسبقاً للإرساليات التبشيرية المسيحية تحت غطاء طبي.
لكن "حركة الإخوان" استطاعت التغلغل في المجتمع عبر السيطرة الذكية على قطاع التعليم والمؤسسات التي يُقال إنها للإصلاح الاجتماعي، واتسم، عموماً، قطاع التعليم في الخليج في بداياته بالطابع الديني.
أما السلطات السياسية في المنطقة، فقد أفسحت المجال للجماعات الإسلامية لممارسة نشاطاتها بحسن نية، خلال فترة الستينات والسبعينات، الأمر الذي أدى إلى انتشارها بشكل واسع، فبرزت جمعيات الإصلاح والإرشاد والتبليغ والدعوة وغيرها، إضافة إلى التيارات المتشددة والمسيّسة، ترجمها جهيمان العتيبي بالاستيلاء على الحرم المكي عام 1979.
وشهد العام نفسه نجاح الثورة الخمينية وتأسيس دولة ثيوقراطية، ما أدى سياسياً إلى ضرورة إيجاد تيارات أخرى لمواجهة الفكر الخميني، فبرز التيار السلفي التقليدي والإصلاحي والجهادي، الذي ازداد انتعاشاً

بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وقبلها القضية الفلسطينية، ثم الغزو الروسي لأفغانستان، والحرب العراقية الإيرانية.

وتلك الأحداث والقضايا استغلها "الإخوان" والتيارات المتشددة من أجل السيطرة على المجتمعات العربية، وقد أحسنوا استغلالها، بتسخير أكبر عدد من البسطاء الذين انقادوا خلفهم بكل عاطفة من دون دراسة أو وعي عقلاني.

ولم تدرك الولايات المتحدة خطأها في تربية الإخوان المسلمين على مدى ستين عاماً إلا متأخرة، وذلك عام 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث كانت تستغلهم بعد الحرب العالمية الثانية كحلفاء في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي من العام 1945 حتى 1991، كما كانت الولايات المتحدة تخشى تنامي الأفكار القومية العربية والعلمانية والاشتراكية، فكان من مصلحتها دعم الإخوان المسلمين، خاصة وأن جميع البلدان الواقعة جنوب الاتحاد السوفيتي هى بلدان مسلمة باستثناء الصين ومنغوليا، فكان لا بد من تهييج المسلمين في جمهوريات آسيا الوسطى ضد روسيا.
كان القوميون العرب يشكلون تهديداً للمصالح الغربية، خاصة البريطانية والأميركية، فقامتا بدعم الإخوان في مصر وآية الله الخميني، ونجحا في تدبير انقلاب في إيران عام 1953، ولكن في فترة الستينات انتشرت القومية العربية في بلدان عربية عدة، قابلتها الولايات المتحدة بتشكيل تكتل إسلامي، وتم دعم الكثيرين من النشطاء الإسلامين وفتحوا لهم المركز الإسلامي في جنيف عام 1961، ورابطة العالم الإسلامي 1961، ومنظمة المؤتمر الإسلامي 1969، وغيرها الكثير من المنظمات.

ثم تراجعت القومية بوفاة جمال عبد الناصر، وكذلك استغل أنور السادات الإسلاميين لمحاربة الناصريين، وباكستان أيضاً حولت نظامها إلى إسلامي متشدد بإستيلاء الجنرال ضياء الحق على السلطة.
وفي السودان توجه زعيم الإخوان فيها حسن الترابي نحو السلطة وحول نظامها إلى إسلامي متشدد، وشكلت الحركات الإسلامية خنجراً في خاصرة الاتحاد السوفيتي، وهذا ما كان الغرب يريده وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ولكنها اخفقت في تكوين صداقة مع الخميني، واخفقت في تقدير حجم القوة التي تتمتع بها تلك الحركات والتي يصعب السيطرة عليها لاحقاً.
مليارات الدولارات تم انفاقها لمساندة الجهاد في أفغانستان، وحركة الجهاد نفسها كانت تخضع للإخوان المسلمين بمباركة أميركية، بل سعت أيضاً إلى دعم الحركة الإخوانية مطلع الثمانينات في سوريا والأردن والأراضي الفلسطينية وقدمت المساعدة لتأسيس وافتتاح أول مكتب للإخوان في القدس والذي تحول اسمه في مطلع الثمانينات إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وبحلول فترة التسعينات وانتهاء الحرب الباردة حل الإسلام السياسي محل الشيوعية كعدو لدود للغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، وبدأت المواجهة الحقيقية، فالحركات الإسلامية الأصولية مستمرة في النمو بطريقة مفزعة، وباسم الإسلام ارتكب الإخوان باسم الإسلام المجازر في حق الأبرياء في الجزائر، أما أفغانستان فأصبحت مقراً رئيساً للأرهاب باسم الإسلام، ثم جاء الحادي عشر من سبتمبر وانقلب السحر على الساحر.

مشكلة الولايات المتحدة أنها بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية دخلت المنطقة العربية والإسلامية وهي لا تعرف عنها شيئاً ودعمت الغلو الديني عن قصد وجهلت تبعياته.
صحيح أن للأميركان مغامرات في المنطقة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على شكل بعثات طبية، ولكنها كانت مغامرات من أجل التبشير بالمسيحية وليست لأغراض سياسية، ولم تحقق هدفها.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أتى فرانكلين روزفلت إلى الشرق الأوسط لتشكيل أول حلف مع العرب ضد الاشتراكية، وكذلك من أجل النفط، ولكنها تهورت كثيراً، وإذا ما قارنا الجامعات البريطانية بالجامعات الأميركية في فترة الأربعينات نجد الأميركية معدومة تماماً من الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية، ولا توجد لديها كليات متخصصة في علوم الأديان باستثناء تلك المختصة في علوم اللاهوت، بينما الجامعات البريطانية لديها هذا الاهتمام منذ قرون، أي أن الولايات المتحدة لم يكن لديها الأكاديميون المتخصصون القادرين على تقديم النصيحة للإدارة الأميركية حول الثقافة الإسلامية، فلو كانوا على علم بمدى الخطورة الذي تشكله حركة لها أجندات في غاية الخطورة مثل الإخوان المسلمين لما دعموها، فالخطر الاشتراكي لا يمثل شيئاً أمام الخطر الإخواني، بل الولايات المتحدة هي من ساهم في نمو الأصولية الإسلامية دون أن تدري.

بريطانيا سبقت الولايات المتحدة في دعم الأصوليين، ففي عام 1885 شكلت أول تحالف مع الأصولية الإسلامية مع جمال الدين الأفغاني (1838 ـ 1897) وهو شيعي فارسي الأصل، لقّب نفسه بالأفغاني كي يبعد الشبهات عن مذهبه الحقيقي، ما مكنه من التغلغل في المجتمع العربي السني وتنفيذ أجنداته الخطيرة، وهو شخص مشكوك في ملته بدليل أنه قال في إحدى خطبه: "إن الأديان ومهما كانت تسمياتها، فهي تشبه بعضها البعض. من المستحيل أن يقوم تفاهم أو تصالح بين هذه الأديان وبين الفلسفة، فالدين يفرض عقيدته ومبادئه على الإنسان، بينما الفلسفة تحرره منها كلياً أو بشكل جزئي".
ثم جاء تلميذه محمد عبده (1849 ـ 1905) لنشر أفكار الأفغاني، ومن بعده أتى تلميذه محمد رشيد رضا (1865 ـ 1935) لينشر أفكار عبده في مجلة "المنارة"، والتي بسببها تأسست الحركة الإخوانية رسمياً عام 1928 على يد مرشدها الأول حسن البنا (1906 ـ 1949).

وبدأت الحركة في التنامي وافتتاح أفرعها في مختلف الدول والقارات، وكانت بريطانيا هي أول من اهتم بتربية ورعاية الحركة الإخوانية والتيارات الأصولية في المنطقة العربية، حتى اغتيال حسن البنا لم يؤثر على الحركة لأن بريطانيا ظلت مستمرة في تفريخ الإخوانيات والأصوليين.
ثم أكملت الولايات المتحدة منذ الأربعينات المسيرة عن بريطانيا بسذاجة كالحصان السريع المحجوب الأعين! يجري بسرعة هائلة إلى الأمام دون النظر إلى الجوانب الأخرى المحيطة به، وجنت على نفسها بإنجاب حفيد جمال الدين الأفغاني أسامة بن لادن الذي عض اليد التي أطعمته ووجه صفعة قوية تجاه الولايات المتحدة بتدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك.
الولايات المتحدة دمرت أفغانستان والعراق، وفشلت في تحقيق الاستقرار في كلا البلدين، فتنظيم القاعدة وحركة طالبان لا زالا موجودين، والعراق تم إهداؤه مجاناً إلى إيران، والعصابات والحركات الإسلامية الأصولية يصعب السيطرة عليها، كما أن منظمات إرهابية مثل حماس وحزب الله قادرة على تنفيذ أجندات ذات طابع دولي بدلاً من الطابع المحلي.
سألت صديقاً أميركياً بعد حادثة اغتيال أسامة بن لادن عن مدى مصداقية الولايات المتحدة في عملية الاغتيال، فخرّ ضاحكاً وقال "اعتقد أنه (أسامة) يعيش في نعيم في أحد منتجعات جزيرة هاواي الراقية!"