عددالزائرين الان

الخميس، 14 مارس 2013

تاريخ الإخوان المسلمين(3): دعم بريطاني وسيطرة إخوانية على مصر

توقفنا في الحلقة السابقة عند بدايات الدعم البريطاني للإخوان المسلمين الذي سعت به بريطانيا إلى خطب ود المسلمين في مختلف بلدان العالم التي خضعت لاستعمارها.
وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت الحاجة ملحة لكميات ضخمة من النفط، فتوجهت الأنظار البريطانية مباشرة إلى السعودية والعراق وإيران، وكان لا بد من بسط هيمنة تقليدية دينية لضمان مصالحها.
بادرت بريطانيا بدعم دعوة محمد بن عبدالوهاب، ويسجل الجاسوس البريطاني "همفر" في مذكراته تفاصيل ذلك الدعم، وتمكنت الحملات الوهابية العسكرية من بسط سيطرتها على مساحات هائلة في الجزيرة العربية بمباركة بريطانية.
واستمرت بريطانيا في تقديم المساعدات المالية للسعودية منذ عام 1865، لتتعمق الروابط بينهما عام 1899.
وشهدت تلك السنة ضم بريطانيا للكويت بوصفها محمية، كما شهدت سقوط مدينة لنجة الإماراتية في يد الفرس وطرد حاكمها الإماراتي محمد بن خليفة القاسمي بتواطؤ من حيث قام الأسطول البريطاني الذي منع جميع سفن إمارات الساحل من نجدة لنجة، حتى لو تطلب الأمر إغراقها.
في بدايات القرن العشرين استعان الملك عبدالعزيز بن سعود بمجموعات بدوية مسلحة أطلقت على نفسها اسم "إخوان من أطاع الله" في المعارك التي خاضها من أجل استعادة ملك نجد، وعرف جيشه فيما بعد بجيش "الإخوان" اختصاراً. وفي عام 1912 وصل عدد المقاتلين من الإخوان إلى نحو 11 ألف مقاتل.
وشهد عام 1915 توقيع أول اتفاقية تعاون رسمية بين بريطانيا والسعودية، وذلك عن طريق ضابط بريطاني حمل اسماً مستعاراً هو "وليم شكسبير"، لكنه قُتل في إحدى معارك ابن سعود مع آل رشيد، وإثر مقتل شكسبير ارسلت بريطانيا عميلاً آخر عام 1916، تحول إلى الإسلام واطلق على نفسه اسم عبدالله، واصبح يُعرف باسم "عبدالله فيلبي".
وكانت بريطانيا تلعب لعبة ماكرة؛ إذ أنشأت مكتبين لها لإدارة الشؤون العربية، فكان مكتبها في الهند يعمل على دعم ابن سعود، بينما عمل مكتبها في القاهرة على دعم الشريف حسين أمير مكة.
ومع انهيار الدولة العثمانية اعتقدت بريطانيا أنه من الممكن للشريف حسين أن يكون البديل للخلافة العثمانية ويوحد المسلمين تحت رايته، لكنه لم يكن يمتلك القوة العسكرية التي يمتلكها ابن سعود، ورغم قلة إمكانياته قاد تمرداً ضد تركيا بدعم بريطاني، وكان العميل البريطاني المبعوث للشريف يُطلق عليه لقب "لورنس العرب"، وقاد العديد من المعارك العربية ضد الأتراك.
كانت بريطانيا وعدت الشريف حسين بإعطائه حكم سوريا والأردن والعراق ولبنان والحجاز، وكذلك وعدت الصهاينة بإعطائهم الحكم على فلسطين، وحافظت على وعدها لليهود بينما أخلفته مع الشريف.
كما راهنت بريطانيا على الشريف في تحقيق انتصارات عسكرية ولكن ابن سعود تفوق عليه، وبدا الأمر وكأنه لعبة بريطانية بحتة يديرها ضابطان بريطانيان هما عبدالله فيلبي لصالح ابن سعود ولورنس العرب لصالح الشريف حسين.

في عام 1924 قام الزعيم الجديد لتركيا مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية، فحاول الشريف حسين الاستفادة من الانسحاب التركي لتنصيب نفسه خليفةً للمسلمين.

لم يكن الشريف حسين ليستفيد من إعلان خلافته شيئاً دون اعتراف بريطاني، لكن بريطانيا فضلت التخلي عن الشريف على اعتبار أن ابن سعود أقوى منه واستطاع بسط سيطرته على مجمل الجزيرة العربية، وطرد الهاشميين من مكة.

اعترفت بريطانيا عام 1927 باستقلالية المملكة العربية السعودية، وبعد سيطرة ابن سعود على الأماكن المقدسة أرسلت الهند ـ باعتبار أنها دولة تضم عدداً كبيراً من السكان المسلمين ـ وفداً رفيعاً لمقابلة الملك عبدالعزيز في جدة، وطالبت الهند ابن سعود بتسليم الأماكن المقدسة إلى لجنة تتكون من جميع الدول الإسلامية لإدارتها ولكن ابن سعود رفض هذا الطلب، وأقام في العام نفسه مؤتمراً دولياً في مكة لجميع الحكام المسلمين، ليطلعهم على الوضع الجديد في الحجاز.

شكل "إخوان من أطاع الله" لاحقاً تهديداً حقيقياً لابن سعود، خاصة بعد الانتهاء من السيطرة على الحجاز، وانكشاف امر علاقته ببريطانيا، فدخل ابن سعود معهم في مواجهات عسكرية، كانت آخرها في معركة "السبلة"، التي تمكن فيها من القضاء على قوة الإخوان عام 1929.
أرادت بريطانيا محاربة القوى الوطنية التحررية في الدول العربية المستعمرة، فوجدت في الأصولية الإسلامية ضالتها واستخدمت جماعة الإخوان في ذلك.
وفي تلك الفترة قام حسن البنا بتأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 بدعم بريطاني مباشر، إذ قامت شركة قناة السويس البريطانية بتمويل البنا وجماعته، في خطة وضعتها الاستخبارات البريطانية لتعزيز الأصولية الإسلامية، كما استخدم الملك فاروق الإخوان في محاربة خصومه من الشيوعيين والوطنيين المصريين.

وبفعل السخاء البريطاني في تعزيز الأصولية إزداد عدد أفراد الإخوان ليصل إلى إلى الآلاف في مصر، كما لاقت صدى في القدس ودمشق وعمّان، ولم تكن الاستخبارات البريطانية وحدها من تعاونت مع جماعات الإخوانيات، بل سعت إلى ذلك أيضاً الاستخبارات الروسية والألمانية والأميركية.
ويعد فكر الإخوان المسلمين امتداداً لفكر الإيراني جمال الدين الأفغاني المطالب برابطة الجامعة الإسلامية، ثم من بعده المصري محمد عبده، واخيراً السوري محمد رشيد رضا، ويعود الفضل للأخير في تعزيز تلك الأفكار في مجلة "المنارة" ومهاجمة الوطنيين المصريين، واصفاً إياهم بالكفار الملحدين.
وكان الثلاثة يشكلون بالنسبة إلى حسن البنا الثالوث الفكري الذي نهل منه الأصولية، كما تأثر البنا كثيراً بمجلة "المنارة" وبأفكار رشيد رضا، وبمجرد أن اعلن عن جماعته قامت بريطانيا ببناء مسجد له في الإسماعيلية ليكون مقراً رئيساً لحركته الإخوانية.

في عام 1932 انتقل حسن البنا إلى القاهرة، ونقل مقره إلى هناك، وعلى مدى 20 عاماً كان ينفذ أجنداته السياسية، تحت غطاء إسلامي، واستطاع اختراق مؤسسات عدة بزرع خلايا فيها مثل القصر الملكي والضباط المحافظين في الجيش وحزب الوفد (العدو اللدود للإخوان).

أما الخطوة الكبرى، فكانت في عام 1936 بتشكيله فرقاً شبه عسكرية، تمت تسميتها بالجوالة أولاً ثم بالكتائب، وكان لها شأن عظيم، لدرجة أن الملك فاروق نفسه كان يستعين بها لحمايته، بل إنه أوكلهم بالترتيبات الأمنية المتعلقة بحفل تنصيبه عام 1937.

وفي خضم الحرب العالمية الثانية قامت جماعة الإخوان بتأسيس جهاز للاستخبارات خاص بها عام 1942، وقد ارتكب هذا الجهاز العديد من الجرائم مثل تنفيذ الاغتيالات وحرق ونهب ممتلكات اليهود المصريين، وكأنهم يقدمون هدية لإسرائيل بهروب يهود مصر إلى إسرائيل بحثاً عن الأمان، كما لم يسلم الشيوعيون من هجمات الإخوان، وتمكنوا من اختراق الحركة الشيوعية عام 1944.

استطاع حسن البنا تعزيز نفوذه على نطاق واسع داخل مصر وخارجها، وكان يتمتع بعلاقة جيدة مع بعض الحكام العرب وقادة الجيش في مصر، وكان الملك وبريطانيا يباركون أعمال البنا نظراً لموافقتها لمصالحهم