عددالزائرين الان

الخميس، 14 مارس 2013

تاريخ الإخوان المسلمين(2): جمال الدين 'الإيراني' وخليفته عبده

التقى رجل الدين الشيعي الفارسي جمال الدين الأفغاني عام 1885 مع مسؤولين من الاستخبارات البريطانية في لندن، من أجل إنشاء تحالف إسلامي ضد روسيا القيصرية، إذ كانت الدولتان البريطانية والروسية في صراع من أجل السيطرة على آسيا الوسطى، بحكم معاناة الدولة العثمانية من الانهيارات المستمرة، وفقدانها السيطرة على بعض الأقاليم التي كانت واقعة تحت حكمها.

وتمكنت بريطانيا من السيطرة على مصر عام 1881، ثم ازدادت البراعة البريطانية باستخدامها لسياسة "فرقّ تسد"، وكذلك تجديد ما يسمى بالصحوة الإسلامية، خاصة بعد أن عرفت بريطانيا أن الشعوب العربية والإسلامية شعوب عاطفية بالدرجة الأولى.

كان جمال الدين الأفغاني المرشح الأول للقيام بفكرة التحالف الإسلامي المزمع، ووفقاً لسجلات الأرشيف البريطانية تم توجيه الأفغاني للذهاب إلى مصر ليعمل مع الاستخبارات البريطانية، ومن بعده جاء، حسب ما ذكرنا في مقالنا السابق، محمد عبده، ثم محمد رشيد رضا، ثم آلت الزعامة الإخوانية إلى المصري حسن البنا، ومن بعده صهره سعيد رمضان، ونجح الأخير في تأسيس مكتب جماعة الإخوان في سويسرا.

استثمرت بريطانيا في تعزيز الأصولية الإسلامية خلال الأعوام من 1875 إلى 1925، وسخَّرت جمال الدين الأفغاني لصالحها، الذي بدوره عمل مع مساعدين بريطانيين لتأسيس حركة سلفية في مصر، ومنهم المستشرق البريطاني "اي جي براون"، وكذلك تلميذه الأصولي محمد عبده.
ولم تكتفِ بريطانيا بنشر الأصولية في مصر فقط، بل استمرت في تمديدها نحو صحراء نجد وتعزيز الأصولية السلفية فيها، وحسب مذكرات الجاسوس البريطاني "همفر"، فإن الدعم البريطاني للأصولية السلفية يعود إلى بدايات دعوة محمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر في نجد، أي أن من تسبب أولاً في نشر الأصولية في العالم العربي والإسلامي هي بريطانيا.

جمال الدين الأفغاني استغل الدين من أجل تحقيق مآرب دنيوية، وكذلك تلميذه محمد عبده، وعمل الاثنان عميلين لدى البريطانيين، واستغل الأفغاني مظهره الديني لوضع خطة سيطرة سياسية، وكسب تعاطف الناس في تظاهره بمحاربة الإمبريالية الغربية، ومن جهة أخرى تم اعتباره في العالم الإسلامي الأب الروحي المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين.

وما لا يعرفه الكثيرون أن الأفغاني نفسه كان من اتباع الحركة "الماسونية"، حيث وحسب الارشيفات البريطانية، كان يتردد على الجمعيات الماسونية الأنكلو مصرية والفرنكو مصرية.

نشاط جمال الدين الأفغاني بدأ فعلياً عام 1869 عندما قام بجولة في العالم الإسلامي لمدة نحو ربع قرن من الزمان، حيث زار الهند، ثم إلى تركيا، ولكن تركيا ارتابت فيه وطردته من البلاد، ثم غادر القاهرة التي استقبلته بكل حفاوة، وقام رئيس الوزراء المصري رياض باشا بتوظيفه في الأزهر في منصب عالم فقيه.
ظل الأفغاني يعمل في مصر لمدة ثماني سنوات، ولم يكن المصريون يعلمون أنه مجند من قبل البريطانيين منذ أن زار الهند والتي كانت حينها من المستعمرات البريطانية، ثم رتبت له زيارة إلى لندن لمتابعة بقية مخططاتها ضد العالم الإسلامي، ثم غادر إلى فرنسا وعاش فيها لنحو ثلاثة سنوات، ثم إلى روسيا لمدة اربعة سنوات، ثم إلى ألمانيا، وأخيراً موطنه الأصلي إيران.

واحتفت ايران بعودة ابنها البار، وتم تعيينه وزيراً للحربية، ثم رئيساً للوزراء، وذلك شكل دليلاً قاطعاً على فارسيته، وأنه لقب نفسه بالأفغاني تقية بينما هو فارسياً اباً عن جد.

ولكن الأفغاني قابل المناصب الرفيعة في بلاده بتأليب الناس ضد الحاكم، ونجح اتباعه في اغتيال الشاه عام 1896، أي قبل عام واحد فقط من وفاة الأفغاني عام 1897 في تركيا، وتخلى البريطانيون عنه قبل وفاته.

فكر الأفغاني قبيل وفاته بخليفته من بعده، ووجد ضالته في المصري محمد عبده الذي تعلم منه الكثير ليكمل المسيرة الإخوانية من بعده، وكان عبده شريك الأفغاني خلال الأعوام من 1871 حتى 1879 في حركة "مصر الفتاة"، وبالتدريج استطاع محمد عبده الحصول على مناصب تعليمية عدة في مصر، مع استمرار ولائه للبريطانيين.

كان عبده يعارض فكرة المقاومة العسكرية ضد المحتل البريطاني، مما وضعه في مواجهة القوميين العرب بزعامة أحمد عرابي الذين يؤيدون المقاومة العسكرية، فطردوا الأفغاني إلى باريس وعبده إلى قريته في مصر، ولكنهما قاما قبل طردهما بتنظيم فرقة شبه عسكرية منبثقة من الجماعة الماسونية، لينصب بعدها الأفغاني عبده خليفة له في مصر.

بمجرد مغادرة الأفغاني إلى باريس، قام عبده باللحاق به وتعاهدا على الاستمرار في بث أفكارهما الأصولية بقصد التوسع في السلطة، وفي عام 1884 اصدرا العدد الأول من مجلة "العروة الوثقى" التي كان لها تأثير واسع على اتباعهما، الذين كانوا يدعمون المجلة، هذا بالإضافة إلى الدعم الأوروبي من دول مثل بريطانيا وفرنسا، والإسلامي من دول مثل الهند ومصر وسوريا.

وفي عام 1888 عاد محمد عبده للعمل لصالح البريطانيين في مصر، وفي عام 1899 أي بعد وفاة الأفغاني بعامين، تم تعيين عبده مفتياً للديار المصرية، وقد اعطاه هذا المنصب نفوذاً أكبر على مستوى الدولة المصرية.

كانت أفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ستندثر بوفاتهما، ولكن شخصاً ثالثاً حال دون ذلك هو الصحافي محمد رشيد رضا، صاحب جريدة "المنارة"، حيث قام بجمعها من جديد وأعاد احياءها بزخم أكبر، مستفيداً من الدعم الغربي اللامحدود للأصولية الإسلامية.