الشيخ أحمد كامل أحمد بسيوني: حياة قصيرة وأثر عظيم
في تاريخ الأمة الإسلامية، هناك رجال لم تطل أعمارهم، لكن أعمالهم حفرت في القلوب والذاكرة أثرًا لا يُمحى. من هؤلاء الرجال الشيخ أحمد كامل أحمد بسيوني، الذي عاش محبًا للقرآن الكريم، متفانيًا في نشر العلم، فكانت حياته نموذجًا للعطاء، حتى رحل عن الدنيا في سنٍ مبكرة، تاركًا وراءه إرثًا من العلم والمحبة والتأثير في نفوس طلابه ومحبيه.
النشأة وحب القرآن الكريم
وُلد الشيخ أحمد كامل أحمد بسيوني في أسرة كريمة عرفت قيمة العلم وحفظ كتاب الله، فكان حفظ القرآن الكريم في سنٍ مبكرة بداية رحلته العلمية والدعوية. لم يكن القرآن بالنسبة له مجرد كلمات يحفظها، بل كان منهج حياة، فانكبّ على دراسته بإخلاص، والتحق بالأزهر الشريف، حيث نهل من علومه الغزيرة، وتشرّب الفقه والحديث والتفسير، حتى صار نموذجًا للعالم الأزهري المتمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية.
رحلة العلم والتميز
لم يكتفِ الشيخ أحمد كامل بتحصيل العلوم الشرعية في إطارها التقليدي، بل سعى إلى التعمق والتخصص، فحصل على ليسانس الدراسات الإسلامية والعربية، ثم واصل رحلته العلمية في معهد القراءات، حيث درس علوم التجويد والقراءات، حتى أكرمه الله بالحصول على الإجازة في الروايات العشر الصغرى والكبرى، ليكون من أهل القرآن حقًا، الذين قال عنهم النبي ﷺ: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
تميز الشيخ أحمد كامل بتفوقه العلمي، فكان الأول على دفعته في العديد من المراحل الدراسية، مما أهّله ليكون مدرسًا للغة العربية والتربية الدينية الإسلامية، ليبدأ مسيرة التدريس التي كانت بوابته لنشر علمه بين طلابه، الذين أحبوه وتأثروا بشخصيته وعلمه الغزير.
مسيرته التعليمية وتأثيره في طلابه
بدأ الشيخ أحمد كامل مسيرته المهنية مدرسًا في محافظة كفر الشيخ، حيث غرس في طلابه حب العلم والقرآن، ثم تنقّل بين عدة مدارس منها:
مدرسة تلوانة
مدرسة أشمون التجارية
مدرسة شما الثانوية
كان مربيًا فاضلًا، لا يقتصر دوره على تدريس المواد العلمية فقط، بل كان يبث في طلابه حب القيم الإسلامية، ويغرس فيهم الأخلاق الفاضلة، حتى أصبحوا يحملون ذكراه في قلوبهم رغم مرور السنوات.
رحلته خارج مصر في سلطنة عمان
نظرًا لكفاءته العلمية وتميّزه في التدريس، تم إيفاده إلى سلطنة عمان لمدة أربع سنوات، حيث واصل نشر علمه، وترك بصمته على طلابه هناك. كان مثالًا للعالم الأزهري المتميز، الذي يحمل رسالة الإسلام في قلبه وعقله، وينقلها بإخلاص أينما حلّ.
العودة إلى مصر والعمل حتى المرض
بعد انتهاء مهمته في عمان، عاد الشيخ أحمد كامل إلى مصر، وعمل في مدرسة طهواي الثانوية، حيث استمر في أداء رسالته رغم تعرضه للمرض. لم يكن المرض عائقًا له عن العلم والتدريس، فقد ظل مخلصًا لمهنته حتى آخر أيامه، غير أن القدر لم يمهله طويلًا، فاختاره الله إليه في عام 1991م، عن عمر يناهز 47 عامًا فقط، بعد حياة حافلة بالعطاء.
العلم والطموح الذي لم يكتمل
كان الشيخ أحمد كامل شغوفًا بالعلم، فلم يتوقف عند ما حققه، بل بدأ في إعداد رسالة الماجستير مع صديقه المقرب فضيلة الأستاذ الدكتور كيلاني المهدي – رحمه الله – لكنه رحل قبل أن يتمكن من إنهاء رحلته الأكاديمية. ومع ذلك، فإن ما تركه من علم وتعليم وطلاب تأثروا به يعد في حد ذاته إنجازًا عظيمًا.
إرثه وتأثيره الباقي
رغم رحيله المبكر، لم يكن عمره القصير حاجزًا أمام أثره العظيم. فقد ترك بصمة خالدة في نفوس طلابه وأحبائه، وظل ذكره حيًا بين من تعلموا منه. فالعلماء الحقيقيون لا يُقاسون بعدد سنوات حياتهم، بل بما يتركونه من أثر في الأجيال.
رحمك الله يا شيخ أحمد كامل
لقد عشت محبًا للقرآن، ووهبت عمرك للعلم، وأحبك طلابك بصدق، فنسأل الله أن يجزيك خير الجزاء، وأن يجعل علمك شفيعًا لك يوم القيامة.
رحم الله الشيخ أحمد كامل أحمد بسيوني، وأسكنه الفردوس الأعلى، وجعل سيرته نورًا لمن يسيرون على درب العلم والقرآن.