عددالزائرين الان

الثلاثاء، 25 مارس 2025

سيدنا الشيخ محمد عبد الجواد غزالة رحمة الله عليه

 #رحلوا_ويبقي_الأثر

الشيخ محمد عبد الجواد غزالة.. نور أضاء سماء دلهمو وخادم القرآن الكريم


في كل قرية، وفي كل زمان، يرسل الله رجالًا يحملون رسالته، ويكرسون حياتهم لخدمة دينه، فيكونون منارات تهدي القلوب، وعلامات تُنير الدروب. ومن بين هؤلاء الرجال الذين تركوا أثرًا خالدًا في قريتنا الحبيبة دلهمو، كان الشيخ محمد عبد الجواد غزالة رحمه الله، الرجل الذي أفنى عمره في خدمة القرآن الكريم وتعليمه للأجيال، حتى أصبح اسمه محفورًا في ذاكرة القرية، يتردد على ألسنة طلابه ومحبيه، شاهداً على رحلة عظيمة في حب كتاب الله.


نشأته وبداية رحلته مع القرآن الكريم


وُلِد الشيخ محمد عبد الجواد غزالة في قرية دلهمو، نشأ في بيئة متدينة، وترعرع في بيت يقدّس العلم ويعلي من شأن القرآن الكريم. منذ نعومة أظافره، انجذب قلبه للقرآن، فكان يقضي وقته في تلاوته والاستماع إليه، حتى أكرمه الله بحفظه في سن صغيرة. لم يكن حفظه مجرد ترديد للآيات، بل كان يتدبر معانيها، ويتغلغل في أسرارها، مما منحه مكانة متميزة بين أهل قريته، وأهّله ليكون من حفظة القرآن الكريم المتقنين.


معلّم الأجيال.. رحلة العطاء بلا حدود


لم يكتفِ الشيخ محمد عبد الجواد غزالة بحفظ القرآن، بل اتجه إلى تعليمه، فوهب حياته لهذه المهمة العظيمة. التحق بالجمعية الشرعية ليعمل محفظًا للقرآن الكريم، حيث تخرج على يديه أجيال وأجيال من حفظة كتاب الله. لم يكن مجرد محفظ، بل كان مربياً وأباً روحياً لكل من جلس بين يديه، يغرس في نفوس تلاميذه حب القرآن، ويعلمهم أخلاقياته، ويرشدهم إلى الطريق المستقيم.


لقد كان تحفيظه للقرآن الكريم يحمل أسلوبًا فريدًا، حيث لم يكن يهتم فقط بالحفظ، بل كان يركز على النطق الصحيح، والتجويد، والتفسير البسيط، حتى يفهم الطالب ما يقرأ. وكان يُشجع طلابه باستمرار، ويزرع فيهم الثقة، حتى أخرج من تحت يديه أطباء، ومهندسين، وقضاة، ومعلمين، كلهم يفتخرون بأنهم تلاميذ الشيخ محمد عبد الجواد غزالة.


شهرته وتأثيره في المجتمع


لم يكن الشيخ محمد عبد الجواد غزالة محصورًا في قريته فقط، بل عُرف على نطاق واسع، فكان أهل القرى المجاورة يسمعون عن مهارته في تحفيظ القرآن، ويأتون بأبنائهم ليتعلموا منه. ولم يكن يفرق بين غني وفقير، أو بين كبير وصغير، فكان يعتبر الجميع أبناءه وتلاميذه، يعاملهم بحب، ويشعرهم بأنهم جزء من أسرته.


كما عُرف بتواضعه الشديد، فكان لا يبخل بعلمه على أحد، ويسعى دائمًا لنشر الخير في كل مكان. كان صوته الجميل في تلاوة القرآن يجعل القلوب تخشع، وكانت طريقته في التدريس تجعل حتى الأطفال الصغار يتعلقون بالقرآن ويحبونه.


رفيق دربه.. الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور


في رحلته الطويلة في خدمة القرآن، كان الشيخ محمد عبد الجواد غزالة يسير جنبًا إلى جنب مع رفيق دربه الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور رحمه الله، فقد جمعتهما محبة القرآن، والتفاني في تعليمه. وكانا يشكلان ثنائيًا رائعًا، يكمّل كل منهما الآخر، ويسعيان معًا لغرس نور القرآن في قلوب أبناء دلهمو.


لقد عملا معًا سنوات طويلة، وتعلّم على أيديهما مئات الأطفال، الذين كبروا وأصبحوا رجالًا نافعين في المجتمع، يحملون معهم القيم التي زرعها فيهما هذان الشيخان الجليلان.


وفاته.. وذكراه العطرة


في عام 1988، فقدت دلهمو أحد أعلامها الكبار، حين رحل الشيخ محمد عبد الجواد غزالة إلى جوار ربه، بعد سنوات طويلة من الجهد والعمل الصادق في تحفيظ القرآن الكريم. لكنه لم يرحل عن القلوب، فقد ترك خلفه إرثًا عظيمًا من العلم والذكرى الطيبة. ولا يزال الناس حتى اليوم يتذكرونه بالدعاء، ويتحدثون عن أخلاقه وتواضعه وإخلاصه في عمله.


إن فقدان شيخ مثل محمد عبد الجواد غزالة ليس مجرد رحيل شخص، بل هو فقدان كنز من العلم والتربية، لكن عزاءنا أنه ترك خلفه تلاميذ يحملون رايته، وأجيالاً ستظل تدعو له بالرحمة والمغفرة.


دعاؤنا له


اللهم اجعل ما قدّمه في ميزان حسناته، وبارك في كل حرف من القرآن علّمه، وأجزل له العطاء، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واسكنه فسيح جناتك. اللهم اجمعه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحبّب إليه القرآن في قبره كما حبّبه في الدنيا، واجعل تلاوته له نورًا وسكينة يوم القيامة.


خاتمة


ستبقى دلهمو تتذكر ابنها البار الشيخ محمد عبد الجواد غزالة، وستظل سيرته الطيبة تروى للأجيال القادمة، ليكون قدوة لكل من أراد أن يسلك طريق العلم والتحفيظ. رحل بجسده، لكنه لم يرحل من القلوب، وسيظل صوته يتردد بيننا ما دام هناك حافظٌ للقرآن يذكر اسمه ويدعو له بالرحمة.


رحمك الله يا شيخنا، وجزاك خير الجزاء على ما قدّمت.