عددالزائرين الان

الاثنين، 24 مارس 2025

سيدنا الشيخ محمود إبراهيم منصور

 #رحلو_ويبقي_الأثر

الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور.. النور الذي أضاء درب القرآن في دلهمو


في كل قرية، هناك رجال وهبهم الله نورًا يضيء الدروب، رجالٌ لم يكونوا مجرد أشخاص عابرين، بل كانوا علامات فارقة في حياة أهلهم ومجتمعهم. ومن بين هؤلاء العظماء، يبرز اسم الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور، الرجل الذي عاش للقرآن، وتعلّق به قلبه، فكان بحق منارة هدى في قرية دلهمو بمحافظة المنوفية.


ميلاد النور وسطع الإيمان


في الخامس من مارس عام 1933، أشرقت الدنيا بميلاد الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور، ولم يكن أحدٌ يعلم أن هذا الطفل الصغير سيصبح يومًا رمزًا من رموز تعليم القرآن في قريته. شاءت الأقدار أن يفقد بصره وهو في الخامسة من عمره، ولكن الله عوضه ببصيرة نافذة، فصار نور القرآن سراجًا يضيء قلبه ويقوده إلى طريق الهداية.


رحلة التحفيظ.. طريق العطاء


منذ الصغر، أدركت والدته الصالحة أن ابنها ليس كغيره، وأن الله قد أودع فيه نورًا خاصًا، فأصرت على أن يحفظ القرآن الكريم. وبالفعل، لم يخب ظنها، فقد أكرمه الله بحفظ كتابه العزيز وهو صغير، ولم يتوقف عند ذلك، بل نذر حياته ليكون سفيرًا للقرآن، يعلم الأجيال ويغرس فيهم حب كلام الله.


بدأ الشيخ محمود مسيرته في كتاب الجمعية الشرعية بقرية دلهمو، حيث عمل جنبًا إلى جنب مع العالم الجليل الشيخ محمد عبدالجواد غزالة. وعلى مدار سنوات طويلة، كان صوته العذب يتردد في أرجاء الكُتّاب، يشدّ الصغار إلى كتاب الله، يعينهم على الحفظ، ويغرس فيهم القيم الإسلامية.


وبعد وفاة الشيخ غزالة عام 1988، حمل الشيخ محمود الأمانة وحده، ولم يتوانَ لحظة عن مواصلة رسالته، رغم تقدمه في العمر وصعوبة الحياة. فقد كان يؤمن أن القرآن أمانة يجب أن تُنقل للأجيال القادمة، وكان يرى في كل طفل يحفظ على يديه امتدادًا لرسالته، فبذل جهده وعمره في سبيل ذلك.


البيت.. مدرسة قرآنية لا تغلق أبوابها


لم يقتصر عطاؤه على الكُتّاب فقط، بل جعل من بيته مدرسة للقرآن، حيث كان الأطفال يأتون إليه يوميًا لينهَلوا من علمه. لم يكن مجرد محفظ، بل كان مربّيًا، أبًا روحيًا لتلاميذه، يغرس فيهم الأخلاق قبل الحروف، ويزرع في قلوبهم حب القرآن، لا مجرد حفظه.


وكان أسلوبه في التحفيظ فريدًا، يجمع بين اللين والحزم، بين الحب والهيبة، فاستطاع أن يخرّج جيلًا كاملًا من الحفظة، الذين ما زالوا يحملون راية القرآن، ويتذكرون معلمهم بكل حب وإجلال.


رحيله.. غياب الجسد وبقاء الأثر


في الأول من يناير عام 2006، وبعد صراع مع مرض الكبد، ودّعت دلهمو أحد أعلامها، لكن رحيله لم يكن نهاية لمسيرته، فقد بقيت ذكراه محفورة في القلوب، وبقيت دعوات تلاميذه تلهج بها الألسنة، فهو الرجل الذي عاش في سلام، ورحل في سلام، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى.


رجل عاش للقرآن فأحياه القرآن


الشيخ محمود لم يكن مجرد رجل عابر في تاريخ دلهمو، بل كان رمزًا للعطاء والإخلاص، عاش للقرآن فأحياه القرآن، وأخلص في رسالته فخلّده الله في قلوب الناس. واليوم، كل آية تُتلى على لسان أحد تلاميذه، هي صدقة جارية له، وكل قلب حفظ القرآن بفضل جهوده، هو شاهد على عظيم أثره.


رحم الله الشيخ محمود إبراهيم محمود منصور، وجعل ما قدّمه في ميزان حسناته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.


اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وأكرمه بجنتك كما أكرم عبادك بكتابك.. اللهم آمين.