الشيخ محمد الخناني.. صوت الحق وأثره الخالد
في ذاكرة كل مجتمع، هناك شخصيات لا تُنسى، رجال حملوا راية العلم والدين، وتركوا بصمات لا يمحوها الزمن. ومن بين هؤلاء العظماء، يبرز اسم الشيخ محمد أحمد خليل الخناني، الذي كان نموذجًا مشرفًا للخطيب الفصيح، وصاحب الصوت العذب، والعالم الذي وهب حياته لنشر تعاليم الإسلام.
نشأته ورحلة حفظه للقرآن الكريم
وُلِد الشيخ محمد الخناني في 29 نوفمبر 1939، ومنذ نعومة أظافره، كان مولعًا بالقرآن الكريم، فانطلق في رحلته مع الحفظ في كُتّاب قريته تحت إشراف الشيخ علواني رحمه الله. وبعزيمة صلبة، حفظ أغلب أجزاء القرآن الكريم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، ثم أكمل حفظه على يد الشيخ حسن في قرية الرهاوي، حيث كان والده يعمل هناك. لم يكتفِ بالحفظ، بل أتقن التجويد برواية حفص عن عاصم، ليصبح من أهل القرآن الذين اصطفاهم الله لحمل رسالته.
التحاقه بالأزهر وبداية مشواره الدعوي
كان للشيخ محمد الخناني طموح علمي كبير، فالتحق بالأزهر الشريف، لكنه لم يُكمل دراسته هناك، إذ شاءت الأقدار أن يأخذه طريق الخطابة والدعوة، حيث برزت موهبته الفريدة في الإلقاء والتأثير في الناس. وكان أول منبر اعتلاه هو مسجد قريته الغربي، وهو لم يزل في السابعة عشرة من عمره، ليُلقي أول خطبة له، معلنًا بداية مسيرة عظيمة في عالم الخطابة.
إمام المنابر وفارس الكلمة
لم يكن الشيخ محمد الخناني خطيبًا عاديًا، بل كان فارسًا للكلمة، قوي الحجة، واضح البيان، مؤثرًا في القلوب. امتلك أسلوبًا فريدًا جعله محبوبًا بين الناس، فانتقل بخطبه إلى خارج قريته، وأصبح يخطب في كفر الزيات حيث كان يعمل، ثم استمر في الجمعية الشرعية بقريته، وكان له حضور قوي في خطب الجمعة، حتى أصبح اسمًا معروفًا في الساحة الدعوية.
خطب العيد.. بصمة لا تُنسى
ما يميّز الشيخ الخناني أنه كان متفردًا في خطب العيد، حيث كان الناس ينتظرونه بشغف ليستمعوا إلى كلماته التي تحمل البهجة والروح الإيمانية العالية. بصوته العذب وأسلوبه الجذاب، استطاع أن يجعل خطب العيد مناسبة لا تُنسى، تفيض بالحكمة والموعظة الحسنة، وتزرع الفرح في قلوب المصلين.
إرثه ومكانته في القلوب
لم يكن الشيخ محمد الخناني مجرد خطيب عابر، بل كان مدرسة متكاملة في الخطابة والدعوة، ترك أثرًا خالدًا في قلوب محبيه. فقد كان رمزًا للعالم العامل، الذي لم يطلب شهرة ولا مجدًا دنيويًا، بل كان همه الأول إعلاء كلمة الحق، ونشر تعاليم الإسلام بأسلوب محبب وهادئ.
رحل الشيخ محمد الخناني، لكنه لم يغب، فقد بقيت كلماته تتردد في ذاكرة من استمعوا إليه، وبقيت سيرته نموذجًا يُحتذى به لكل خطيب يسعى إلى التأثير في الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
رحمه الله وجعل علمه في ميزان حسناته، وجزاه خير الجزاء على ما قدمه لدينه وأمته.