عددالزائرين الان

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

د. أحمد عكاشة: القوى السياسية تشرذمت وغداً سيكون لدينا أكثر من ديكتاتور


اعتصام مجلس الوزراء

أكد الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، ضرورة التوصل إلى حل توافقى بشأن ميزانية الجيش، لأنه من الممكن أن يتنازل عن السلطة، ولكنه لن يقدم تنازلات بشأن وضعه الاقتصادى. وقال إن تشكيل المجلس الاستشارى مضيعة للوقت، لأن مهمته هى المشورة فقط وليس اتخاذ القرارات المصيرية، وسياسة إرضاء جميع الأطراف سياسة فاشلة.

وأضاف «عكاشة»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، أن الجيش ظل بعيدا عن السياسة فى عهد الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحرص مبارك على إبعاده عنها طوال سنين حكمه الثلاثين، وكانت وزارة الداخلية هى التى تحكم البلاد.. وإلى نص الحوار:

ما تحليلك لشخصيات أعضاء المجلس العسكرى؟

- هم نخبة من الضباط المشهورين بالإتقان والانضباط والالتزام، نشأوا على الطاعة العمياء، وتربوا على مبدأ رفض النقاش مع من هو أعلى منهم فى القيادة، إضافة إلى أن كل قيادات المجلس العسكرى فوق الـ60 سنة، ما يعنى بالنسبة للإنسان العادى بدء مرحلة تصلب شرايين القلب والمخ، ومن ثم فقدرتهم على التغيير محدودة، وقدرتهم على المرونة أيضا محدودة. فضلا عن أن أعضاء المجلس لم يختلطوا يوما بالمدنيين، لكن المقلب أن الرئيس السابق كلف المجلس العسكرى بالقيام بمهام رئيس الجمهورية، ومن هنا برزت أخطاء نتيجة عدم ممارستهم السياسة من قبل، لذا لا يستطيع المجلس العسكرى تفهم أن ينتقده أحد، لأنهم تعودوا على أنه لا أحد فى العالم ينتقد الجيش، وهو فى الوقت نفسه لا يستطيع التفرقة بين دوره العسكرى، ودوره السياسى الحالى، فهناك فرق كبير بين الجيش والمجلس العسكرى.

هناك رسائل متناقضة يرددها الإعلام فى هذا الشأن، فتارة يقول لنا إن المؤسسة العسكرية حكمت مصر حوالى 60 عاما، ثم يؤكد أنها عديمة الخبرة بالسياسة، فكيف تفسر هذه الرسائل؟

- من يقل إن المؤسسة العسكرية حكمت مصر لمدة 60 عاما مخطئ، لأنه فى نهاية عهد عبدالناصر تم إبعاد الجيش تماما عن المؤسسات المدنية، واستمر إبعاده عن السياسة فى عهد السادات، وفى عهد مبارك كانت الداخلية هى التى تحكم، ولم يكن الجيش يستشار فى أى قرار يخص السياسة، وأحيانا كانت المخابرات العامة تحكم مع الرؤساء، لكن رجال «مبارك» نجحوا فى إبعاد الجيش تماما عن الحكم.

فى رأيك، كيف يكون الخروج الآمن للجيش بعد 60 عاما من خصوصية هذه المؤسسة؟

- فى رأى الكثيرين، لن يتنازل الجيش عن السلطة، رغم وعوده التى قطعها على نفسه، ورأيى أنه يعلم أن سر بقائه وقوته فى ابتعاده عن الحياة المدنية، لكن ستظهر معضلة الاستقلالية الاقتصادية الخاصة به، والتى نشأت منذ عهد الرئيس عبدالناصر، أى منذ حوالى 60 عاما، فكيف نحقق معادلة استقلال الجيش، وأن يبقى للمؤسسة المدنية إشراف ما عليه، سواء كان ذلك بشكل جزئى أو كلى؟، هذا سؤال مهم يجب أن يجيب عنه السياسيون، ويضعونه فى اعتبارهم فى المرحلة المقبلة، لأننى أعتقد أن الجيش يمكن أن يتنازل عن السلطة، لكنه لن يتنازل عن استثماراته وخصوصية وضعه الاقتصادى، ويجب أن نصل إلى حل دون تخوين طرف على حساب آخر، وعلى الجانب الآخر يجب أن يظهر العسكريون نوعا من المرونة، لأن المدنيين بطبيعتهم لديهم مرونة أعلى من العسكريين، وأؤكد أنه لابد من الوصول إلى توافق، حتى إن لم يرض كل طرف 100 % . ولابد للمدنيين أن يفهموا أن العقلية العسكرية مختلفة عن المدنية، وأن كل الانقلابات العسكرية التى حدثت فى العالم انتهت بمآس.

البعض ينتقد المجلس العسكرى بعنف بسبب التشكك فى نواياه، ورغبته فى حماية رموز النظام السابق، فهل لذلك تأثير على رد فعل المجلس؟

- أولا، النقد الجارح للقوات المسلحة ليس فى صالحنا، وهذا خطر كبير، ليس فقط فى رد الفعل، لأننى أثق أن المجلس العسكرى وطنى، ولن يكون له رد فعل ضد البلاد، لكن على الأقل، هذا يفسر حالة الغضب الشديدة التى تنتابهم، وانفعالهم أثناء مداخلاتهم التليفزيونية، ردا على الهجوم الذى يتعرضون له، وما حدث أيضا مع الشرطة كان خطأ كبيرا.

لماذا؟

- لأنه لا يمكن لدولة أن تنهض إلا بالقانون، والذين يطبقون القانون هم عناصر الشرطة، وإن لم نمكنهم من أداء عملهم، ونعمل على سد الفجوة بين الشعب والشرطة، ستنهار الدولة أمنيا واجتماعيا واقتصاديا، وليس أمامنا إلا التعامل مع الأزمة على أساس أن بعض أفراد الشرطة أخطأوا، لكن ليس جهاز الشرطة بأكمله خاطئاً، وإن كان بعض عناصره عذب بعض المواطنين، فما نقوم به الآن هو تعذيب لكل الشرطة، ما يسمى فى علم النفس «التوحد مع المعتدى»، أى أن الشعب يتوحد مع سلوك الشرطة، فيعذب كل أفراد هذا الجهاز، حتى من لم يخطئ فيهم، والشرطة على الجانب الآخر تنتابها أزمة هوية، ففى كل دول العالم، من يهجم على قسم شرطة أو يعتدى على ضابط يعدم، وإذا نفذ ذلك فى مصر، سيعدمهم الشعب، وإن هربوا سنقول إنهم متخاذلون، وإن نزلوا الشارع سيهانون، وأرجو أن نبتعد عن روح الشماتة والانتقام فى التعامل مع الشرطة.

وبماذا تفسر بطء محاكمة الرئيس السابق فى وقت يؤكدون أن المجلس العسكرى هو من حمى الثورة، ووقف فى صف الشارع، وإذا كان ما حدث نوعاً من الانقلاب العسكرى، فلماذا لا نشهد محاكمة سريعة لـ«مبارك» للإطاحة بما تبقى من نظامه؟

- وفقا للتركيبة العسكرية التى تعودت على السمع والطاعة منذ الالتحاق بهذه المؤسسة، وحتى تولى أعلى المناصب، مع الأخذ فى الاعتبار أنهم حلفوا قسما بالله وبشرفهم العسكرى أمام رئيس الجمهورية بحمايته، فهذه ليست شيزوفرينيا، وإنما وضع طبيعى لشخص يدين بالولاء لرئيسه، خاصة أنه لم يكن يتوقع أحدهم ما حدث، وإن كنت أرى أنه لو لم تقم الثورة وقرر مبارك توريث الحكم لنجله «جمال»، لنفذ الجيش انقلابا عسكريا لإزاحته، لأنهم لم يكونوا ليقبلوا أن يتولى مدنى قيادة القوات المسلحة.

هذا يعنى أنهم لن يقبلوا برئيس مدنى الآن؟

- الوضع مختلف بعد الثورة، فلم يعد أحد يستطيع الوقوف أمام رغبة الشعب، لكن كما قلت، فإن الرؤساء الثلاثة السابقين منحوا الجيش حق إقامة مؤسسات اقتصادية للحصول على ولائه، ومن الممكن التوصل إلى اتفاق ما يحافظ على هذه المكتسبات، وقرأت مؤخراً أن الجيش سيمنح البنك المركزى مليار دولار من ميزانيته لدعمه بعد نقص الاحتياطى النقدى، مليار دولار من الجيش، أمال عندهم كام؟، أعتقد أنهم لا يريدون حكم مصر، لكن من الصعب أيضا أن يتنازلوا عن الاستثمارات الاقتصادية، والسؤال هنا: هل ستخضع لإشراف الجهاز المركزى للمحاسبات؟، لا أستطيع الجزم بذلك، وأترك الأمر للخبراء.

لو افترضنا أن المجلس العسكرى سيسلم السلطة كما وعد، فكيف يضمن عدم الاستدعاء للمحاكمة بعد تركه لها، بتهمة قتل المتظاهرين فى ماسبيرو، أو أحداث محمد محمود، على غرار محاكمة المسؤولين السابقين فى قتل ثوار 25 يناير؟

- لو تم إجراء محاكمة عادلة وسريعة لمن تورط فى هذه الأحداث، سواء من ضباط عسكريين أو مدنيين، سينتهى الأمر.

ما رأيك فى فكرة المجلس الاستشارى، وهل تراها ترضى الشارع بدعوى أن المجلس يتواصل مع الجميع؟

- أعتقد أن اختيار 35 شخصا من مختلف الفئات السياسية للمشورة بمثابة مضيعة للوقت، فنحن فى حاجة للبناء، والبلاد معرضة للإفلاس، ولو مرت هذه الأشهر القليلة دون أن نتخذ خطوات جديدة ستنهار، والمجلس الاستشارى سيعطى النصيحة لكنهاغير ملزمة، وأمور الدولة يجب أن يتولاها القائمون على الحكم. فمصر الآن ملهاش كبير، لأن كل فئة ديكتاتورية مصغرة، وأعضاؤها يختلفون حول كل شىء، ولابد أن يكون هناك قرار حاسم، ولا يمكن أن يصدر قرار لا يغضب البعض، ونحن نعيش عصر الديكتاتوريات، ولا أحد يريد أن يمتثل للقرار، ولا القائمون على الحكم قادرون على اتخاذه، وفكرة أن المجلس العسكرى يريد أن يرضى كل الأطراف سياسة فاشلة بالطبع.

لكن الجيش ليست لديه خبرة سياسية، والنتيجة أخطاء لا حصر لها منذ بداية الثورة؟

- المجلس العسكرى يمكن أن يستمع للخبراء دون لجنة استشارية.

مصر تعيش حالة فتن كبرى، وصراع بين الليبراليين والإسلاميين، والجيش والثوار، والإعلام والنخب السياسية، فى تحليلك ما الذى يحدث؟

- سؤال صعب، وكان أملنا فى توحد المصريين بعد ثورة 25 يناير، كما كانوا خلال الثورة، فعندما اجتمعت نخبة الشباب المثقف فى طليعة المشهد الثورى، وانضم إليهم باقى الشعب شباباً وشيوخاً، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساء، على هدف واحد هو الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن- تحقق الهدف وسقط النظام، أما الآن فللأسف هذه الروح الجماعية اختفت بتشرذم الأحزاب والتيارات السياسية وشباب الثورة حتى تحول الأمر من انتماء للوطن إلى انتماء لمصالح كل فئة على حدة، وأصبح مفهوم الديمقراطية مختلاً، بل أصبح مجرد شعار يلوح به الجميع دون ممارسة، فالديمقراطية هى قبول الآخر فى حين أن كل فئة وفصيل وتيار يرفض قبول الآخر، ويعتبر أن رأيه هو الصحيح، حتى التيارات الإسلامية نفسها مختلفة فيما بينها فى فهم الإسلام، وهذا يعنى أنه فى المرحلة المقبلة سيكون لدينا أكثر من ديكتاتور بدلا من ديكتاتور واحد.

إذا أجريت تشريحا للشخصية المصرية خلال الأحد عشر شهرا الماضية، فماذا تقول؟

- أولا، ما قيل على لسان ابن خلدون من أن الشخصية المصرية سلبية، وتميل إلى الخنوع، وتأليه الحاكم والاحتكام إلى النكتة والسخرية أكثر من الاعتماد على المعارضة الإيجابية، ثم ما قاله الباحث جمال حمدان بأن الناس تميل إلى الخضوع والسلبية وعدم القدرة على مواجهة الحاكم- تبدد إلى حد كبير أثناء ثورة 25 يناير، لتظهر شخصية مصرية أخرى تميل إلى الوسطية والاعتدال والتعاطف وحب الأرض والانتماء، وكل ما هنالك أن هذه الصفات كانت مكبوتة بالقمع والاستبداد من أيام الفراعنة، وتشخيصها من قبل العلماء كان يعتمد على ما هو واضح على السطح، وبحسب ما بدا ظاهراً من سلوكيات المصريين بعد تأثرهم بالظلم والكبت والقهر، حتى إننى قلت قبل الثورة إن كثيرا من أخلاق المصريين أخلاق «عبيد» بمعنى النفاق والكذب والانتهازية والفهلوة والمداهنة والتملق، ويزيد على ذلك الخضوع والسلبية وتبجيل الحاكم أمامه وسبه من خلفه، فكرامة وعزة المصرى إلى حد ما كانت منهارة، لكن بعد الثورة ظهرت الشخصية المدفونة فى المصريين، ولا يوجد بلد فى العالم عاش لأشهر يأكل ويشرب ويذهب للعمل دون وجود أمن إلا فى مصر، وظلت اللجان الشعبية تحميه لمدة شهرين، كان فيه صاحب العمارة مع البواب، الطفل مع الكهل، القبطى مع المسلم، جنبا إلى جنب، هذا الوعى له علاقة بالجينات الوراثية، ففى أمريكا عندما قطع التيار الكهربى عن لوس أنجلوس ونيويورك فى وجود البوليس الأمريكى بكل ما له من صيت، حدثت 200 ألف حالة نهب فى 4 ساعات، وفى اليابان بعد الزلزال حدثت 15 ألف حالة، وفى مصر لم نصل إلى هذه الأرقام أبدا.

لكن لماذا عادت أخلاق المصريين للانهيار بعد الثورة، ولماذا زاد العنف والاعتداء على الأراضى الزراعية وغيرها من المخالفات؟

- لأن موجة الثورة ركبتها تيارات لا علاقة لها بالثورة، وبدأ الصراع على المصالح الضيقة الخاصة، وليس مصلحة البلد، وعلى الجانب التنفيذى سنجد أن أى ديمقراطية تعتمد على الشفافية والمساءلة وتداول السلطة، لكن المواطن المصرى شعر بأنه لا توجد شفافية، فلم يصدر بيان يوضح من هم من هجموا على السجون والأقسام بعد الثورة، ولا من قتل المتظاهرين، ولا من هم المعتدون على الكنائس، ومن المتورط فى أحداث ماسبيرو، وغيرها، فهل يعقل أن كل هذه الأجهزة الأمنية من شرطة وجيش ومخابرات عامة ومخابرات عسكرية لا تستطيع الوصول إلى هذه القلة المندسة التى يصرحون باسمها ليل نهار عقب كل أزمة؟، وهذا ما عزز من مخاوف المصريين، واختلت الفرحة بالثورة، وانقسم الناس حولها، وكانت النتيجة أنه فى نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات حصل السلفيون، الذين كانوا متحالفين مع النظام السابق على مركز متقدم عن شباب الثورة.

■ «مبارك» يحاكم، فى حين يتحدث الإعلام حول الإسلاميين وصعودهم، فما تفسير ذلك؟

- أولا مبارك لا يحاكم، فهل يعقل أن تأخذ المحاكمات كل هذه المدة؟، ويستغرق رد المحكمة وحده 3 أشهر؟، ما يحزننى فعلا أنهم أخذوا يشغلون وقتنا بهذه المحاكمات، فى حين كان من الممكن أن تنتهى فى ثلاثة أو أربعة أشهر، وننتبه إلى بناء مصر، ثم إننا نحاكم «مبارك» مدنيا، والثوار يحاكمون عسكريا، نحاكمه على بضع فيلات وقصور، ولم نحاكمه على فساد طال البلاد طيلة الثلاثين عاما الماضية. أما عن سبب نسيان المحاكمات كما تقولين، فهذا لأن إحدى سمات الشخصية المصرية طيبة القلب والقدرة على التسامح ونسيان الأحداث المؤلمة ومحاولة إيجاد أحداث جديدة لتنسينا الأحداث المؤلمة، فهى شخصية مشابهة للقرص الفوار، يفور جدا وسرعان ما يهدأ، وهذا يعنى عدم النضوج، فالشخصية الناضجة هى التى تتميز بالمثابرة والإصرار ومحاولة الإتقان فى العمل، ولا نستطيع التعميم، لكن الغالبية ليس لديها نضوج.

وهل يستغل السياسيون هذه الصفات فى المصريين؟

- الأذكياء منهم يلعبون على هذا الوتر، أن المصرى ينسى سريعا، خاصة أن مخ الإنسان لا يستطيع أن ينشغل بعدة أمور فى نفس الوقت، هو فقط ينشغل بحسب المنبهات، ولو ظل الإعلام يتحدث عن الانتخابات سينشغل بها، ولو حول الدفة على الإسلاميين سيكون ذلك محل اهتمام الناس وهكذا، فالأجهزة الإعلامية تلعب دورا كبيرا فى تهييج الناس، ليس للمصلحة الوطنية، ولكن ربما لكسب المزيد من الجمهور أو زيادة الإعلانات، والنتيجة أن الناس أصبحت مشغولة ببرامج التوك شو ولم تعد تشاهد أفلاما أو تسمع موسيقى، وكلما احتوت المنظومة المعرفية على فن وأفلام وثقافة حدث توازن للمخ، والدول الأوروبية أيام الحرب العالمية كانت حريصة، فى أوج الحرب والتدمير، على أن تعرض على جمهورها أفلاما وحفلات، لكن ما يحدث فى مصر غير مسبوق، كما أن الإعلام أثر فى نتائج الانتخابات، لأن عددا من المرشحين نجح لأنه الأكثر ظهورا فى الإعلام، وليس لأن له برامج انتخابية متميزة.

منذ بداية الثورة والمواطن يتعرض للكثير من التناقض فى المعلومات والآراء حول الشىء الواحد فإلى أى مدى يؤثر ذلك على المواطن؟

- كلما كانت الرسائل التى تعطى لمخ الإنسان متناقضة، كانت قدرته على التوازن النفسى مختلة، ففى النهاية يصاب الإنسان باللخبطة والإحباط، والأخير تنتج عنه مضاعفات، ونحن الآن نعيش مضاعفات الإحباط.

وما هذه المضاعفات بالتفصيل؟

- العنف والعدوان على الذات والآخر، حيث تصبح قدرة الإنسان على التحكم فى الغضب محدودة، ويثور لأقل شىء، وقد لاحظنا ذلك حتى مع السياسيين أثناء مؤتمرات الوفاق الوطنى، إذ قام الناس وضربوا بعضهم البعض، وهؤلاء هم المتعلمون والنخبة، كذلك العدوان اللفظى بين التيارات وبعضها، وفى الشارع كل شخص يحصل على حقه بنفسه، لأن هيبة الدولة اختفت، إضافة إلى القلق والخوف والترقب غير المريح لما قد يحدث، ثالثا، الاكتئاب واليأس والإحساس بالعجز وإنه «مفيش فايدة»، والإحباط ينتج اللامبالاة، ويلى ذلك المداومة، وتعنى أن نسلك نفس السلوكيات الخاطئة التى كنا نمارسها من قبل.

هل الخوف من تصاعد التيارات الإسلامية مبرر من وجهة نظرك؟

يوجد فى الطب النفسى ما يسمى بالإزاحة، فنتيجة أنه لم يتحقق شىء طيلة الأشهر العشرة الماضية، يحدث نوع من الإزاحة للإحباط من شىء إلى آخر، هذا ما حدث مع نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، إذ تحول الحديث من محاكمات النظام السابق إلى صعود تيارات الإسلام السياسى ومدى تطرفهم، إضافة إلى أن الإعلام أظهر الإسلاميين المعتدلين مثل المتطرفين، فشوه المسألة، وعندما يتكالب الإعلام على شخصيات تقول إنها ستمنع سياحة الشواطئ، وعيون المرأة جنسية، ويتكالب على شخص خرج من السجن بعد الحكم عليه بالمؤبد، لاستضافته فى كل البرامج، فهو يتخذ موقفا من الإسلاميين، ويمارس حالة من تخويف الناس، لكننى لست قلقا من الإسلاميين، وأرى أن الإخوان معتدلون، ولديهم من الذكاء السياسى ما لا يجعلهم يعتدون على الحريات الشخصية.

هل من الممكن أن يتحول الإخوان إلى حزب وطنى آخر لو حصلوا على الأغلبية فى البرلمان القادم؟

- التغير فى شخصية الأغلبية يحدث فقط فى حالة التسلط المطلق، عندما لا توجد شفافية ولا محاسبة ولا مساءلة، وعندما تتعامل الأغلبية بمنطق أن المحاسبة تأتى من الله والتاريخ، لكن الشعب ليس له هذا الحق، وأذكر هنا اللورد أوين رئيس الحزب الليبرالى البريطانى، وأصله طبيب نفسى، لكنه ترك المهنة واشتغل بالسياسة حتى أصبح وزير الخارجية البريطانى، وقدم ما يسمى بمتلازمة الغطرسة، قال فيها إن الإنسان عندما يبقى فى السلطة طويلا يتوحد مع الكرسى، وأى نقد له يعتبره خيانة للوطن، ويعتبر نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الوطن، ولا يقبل إطلاقا أى نصيحة، وأعتقد أنه لا أحد سيترك أى تيار يصل إلى هذه المرحلة مرة ثانية، كما أن الدستور القادم سينص على أن مدة الرئاسة فترتان، وستكون هناك مساءلة من الشعب، وهذا ينطبق على الرئيس القادم.

ما هو تفسيرك لتحقيق السلفيين مركزا متقدما عن شباب الثورة وباقى الأحزاب فى الانتخابات؟
- سمعت أن السلفيين لم يؤدوا الخدمات التى أداها الإخوان المسلمين، لكن الملايين التى حصلوا عليها من الخليج ساهمت فى هذا الفوز، ثم إن ثقافة الأميين تأتى من خطيب المسجد، وهذا الخطيب يعتمد فى خطبته على رسالة مؤداها أننا فى الدنيا حرمنا من كل شىء والخلاص فى الآخرة، ومعظم خطباء القرى ممن سافروا إلى الخليج وتأثروا بالأفكار الوهابية، إضافة إلى أن هناك شريحة كبيرة من ساكنى القرى يبحثون عن لقمة العيش، ولا يعنيهم الحديث عن الحرية والعدالة والشعارات التى ترفعها بقية الأحزاب