رسالة
إلى القارئ من البداية : أنت لم تأت إلى هنا لأن هناك ما يجبرك على ذلك
كما أنك قادر على مغادرة الموقع بالكامل بضغطة زر لذلك إن كان ما نتحدث عنه
تجه بعيدا عن الحدوث أو كان يخالف عقائدك وثقتك في بعض الإتجاهات السياسية
على الساحة أو كنت منتسبا لأي من فروع الإسلام السياسي فلا شك أنك تعلم ما
نقول مسبقا ولا حاجة لك به أما لو كنت واحدا من العوام اللذين يستغلهم
قادة الإسلام السياسي فربما نكون قد كشفنا لك عن المعركة التى يزج بك فيها
دون أن يكون لك فيها ناقة ولا جمل
ونبدأ من البداية
لا
أحد ينكر أن ثورة 25 يناير كانت ثورة دون إرهاصات حقيقية فالدين الداخلي
أو الخارجي لم يكن جديدا على المصريين كما أن الأحوال المعيشية التى
يكابدها المصريون تمتد لأكثر من فترة حكم مبارك ، أيضا فإن فكرة القهر لم
تكن جديدة على مخيلة المصريين فحكومات ما قبل الثورة اضطهدتهم بشكل ما كما
مارست التعذيب المنهجي أحيانا وحكومات ناصر والسادات لم تكن شذوذا على
القاعدة ومبارك لم يضف جديدا للمشهد ، نفس الدولة البوليسية المستندة على
دعم المؤسسة العسكرية والداخلة في تحالفات معقدة مع كل أطراف العمل الدولي
الجديد
أن هناك ما يمكن أن نسميه (تسارع الأحداث) وبتعبير آخر فلو تحدثنا عن
خسارة نابليون لإمبراطوريته لوجدنا أنه خسرها بسبب تأخر معلومة كان يحتاجها
ووصلت إليه بعد شهر من هزيمتة كما أن إمبراطورية مالية مثل إمبراطورية
روتشلد الإنجليزية ساهم في قيامها لجوء روتشيلد شخصيا لأحدث وسائل الإتصال
في عهده (التلغراف) لنقل أخبار السياسة والإقتصاد إليه فكان يتفوق على من
يعتمد على الحمام الزاجل بعدة أيام
نفس
الأمر ينطبق تماما على النموذج المصري...شباب مصر الآن وبعد أن أصبح
وللمفارقة الإنترنت في كل بيت تقريبا برعاية أحمد نظيف ، اصبح شباب مصر
قادرين على معرفة ما يحدث في أسوان والإسكندرية في آن معا كما أصبحوا
يستطيعون أن يكونوا فيما بينهم جماعات ومريدين وتنظيمات إفتراضية في بادئ
الأمر ثم حقيقية مع تطور الأحداث
أول
إرهاصات الأمر كانت مع مظاهرات عمال المحلة التى خرجت نتيجة لأخبار
وتعليقات ودعوات على الفيسبوك وكانت قادرة على إسقاط النظام بالفعل لو كان
الإضطرابات قد إمتدت إلى محافظات مجاورة
أما
المثال الأوضح فكان جيفارا الثورة المصرية خالد سعيد ، وبداية يجب أن نقول
أن خالد سعيد مثله مثل كثيرين لقى مصرعه على يد شرطي منحرف محتمي بجهاز لا
تربطه بالدولة سوى نفس ما كان يربط المماليك المستأجرين بأنظمة الحكم في
العصور الغابرة لكن خالد سعيد كان يختلف عن من لقى مصرعه قبله في شئ هام :
الأمر تم تداوله عبر الإنترنت والفيسبوك وتويتر قبل أن يتم الحديث حوله عبر
الفضائيات والتليفزيون الرسمي
هنا
كانت نقطة قد سجلت لصالح الحملة التى بدأت بصفحتين (أنا إسمي خالد سعيد )
(كلنا خالد سعيد) ويبدو أن إختيار اسم الصفحة الثانية كان أكثر تأثيرا لأنه
وضع المصريين أمام حقيقة لا يريدون مواجهتها وهي أن جميعهم يمكن أن يكونوا
خالد سعيد في لحظة قدرية
صفحة
كلنا خالد سعيد استطاعت أن تخرج المتظاهرين للشارع ثم إستطاعت أن تفرض
شكلا من أشكال الثورة الحقيقية عبر ثورة أوراق النقد التى بدأتها بالكتابة
على أوراق النقد مؤيدة لقضية خالد سعيد وهو ما ضمن لها إنتشارا واسعا ثم
إستطاعت أن توحد زي المنضمين للحركة عبر إرتداء السواد ثم إستطاعت أن
تحشدهم ببساطة للوقوف في أماكن واسعة يتركون فيها ثلاثة أمتار بين كل محتج
والآخر وهو ما ضمن لهم في الإسكندرية أن يغطوا مساحة شملت كامل كورنيش
البحر في مواجهة شرطة ترتدي هي أيضا السواد وأصبحت عاجزة عن مواجهة الموقف
تماما رغم كل العنف الذي مارسته ويكفي أن ضباط من الشرطة كانوا يقولون
للمتظاهرين أنهم لم يغمض لهم جفن لثلاثة أيام متتالية
هنا
كانت نقطة فارقة فبينما تتحرك الحركات المدنية بسهولة ومرونة تحتاج الدولة
دائما إلى إعدادات وتجهيزات وخطط حركة وكتيبات أوامر وهو ما يجعل التحرك
المدنى يتفوق بنقاط واسعة على تحرك قوات الأمن ويكفي أن الأمن المركزي كان
يتحرك لمواجهة مظاهرات خالد سعيد في مكان معلن عنه فتنتقل المظاهرة برسالة
عبر تويتر أو الموبايل لمكان آخر ليلهث الأمن محاولا اللحاق بالمتظاهرين
مع
الدعوة لمظاهرات 25 يناير كان الأمر يأخذ بعدا مختلفا فكل من خرج كان لهدف
ربما مختلف لكنه يصب في نفس المكان فمنهم من خرج لأنه عاطل ومنهم من خرج
بسبب الفقر ومنهم من تعاطف أو كان حانقا على معاملة جهاز الأمن له لكن في
النهاية الجميع خرج والجميع هنا ليس معناها 85 مليون مصري بل أقل من مائة
ألف وهو في علم الإحصاء لا يمثل نسبة يعتد بها لكن في السياسة فالأمر يختلف
في
النهاية وبعد أن جرى سحق معتصميى التحرير ليلة 25 يناير كان القرار قد تم
إتخاذه بالبقاء في الأزقة والشوارع الجانبية للمحافظة على بقاء الأمن في
الشارع مما يضمن إنهياره في النهاية وهو ما حدث بالفعل يوم 28 يناير
ما حدث كان بتضحيات كبيرة وبدماء كثيرة لكن في النهاية رأس النظام قد سقط وجاء الدور على جسد النظام
جسد
النظام في حد ذاته لم يكن قد تضرر كثيرا فبصرف النظر عن الشرطة التى خرجت
ولم تعد فإن الجيش كان متماسكا وحتى اللحظة مازال منضبطا لكن الجيش الذي
تسلم السلطة بعد ثمانية عشر يوما من الإحتجاجات كان يعلم قبل ذلك بكثير أن
سيناريو الأحداث سيصب في هذه النقطة وكان يرتاح لأن تلك الإحتجاجات ليس لها
قائد مما يضمن عدم الدفع بشخص أو تيار للوقوف في الصدارة وتحويل الجيش
نفسه إلى مجرد جيش في الدولة لذلك كان إمساك الجيش بالسلطة مريحا بالنسبة
له ويمكن القول أن متظاهري 25 يناير حققوا للجيش طموحه دون أن يتورط بشكل
مباشر في إنقلاب عسكري
الجيش
من جهته كان يعلم أن الإتفاق مع الثوار صعب للغاية فهو لا يجد لهم قيادة
كما أنه ساعد على عدم تبلور قيادة للثورة لذلك كان قراره المتخذ سلفا هو
التنسيق مع حركة لها قيادة وتحديدا الإخوان المسلمين مع بعض التنسيق مع
الحركات السلفية لموازنة الضغوط عليه وقت الحاجة بينما وضع الثوار خلف ظهره
ما
لم يدركه المجلس العسكري ولا الإسلام السياسي أنه كان يواجه شكلا من أشكال
الثورات الرومانسية أناركية الطابع ، والأنركية هنا مصطلح ليس فضفاضا فهي
حركات تتشكل دون قيادات ولأنها دون قيادة حاكمة يكون التفاوض معها في منتهى
الصعوبة لأنه بطبيعتها تميل إلى الحصول على كل مطالبها أو عدم الحصول على
أي شئ
وحتى لا ندخل في التفاصيل نقول أن هناك رابحين خلال الشهور الماضية :
الأحزاب
القديمة : على الأقل عادت إلى ممارسة الحديث على الفضائيات بينما بعضها
مارس فن الدعارة السياسية كحزب الوفد الذي تحالف مع الجميع ضد الجميع ومع
الجميع
الإخوان
المسلمين: أكثر الرابحين فقد أدركوا من البداية أن المجلس العسكري قادر
وفقا لتنسيق مسبق على منحهم الحكم أو جزء منه مع التغاضي والتعامي عن مصادر
تمويلهم ووجود جماعتهم غير الشرعي وهم من ناحيتهم قدموا له غطاء شرعي
يحميه وقت الحاجة وإن كان الغطاء قد إنكشف تماما قبل الإنتخابات بأيام
السلفيين:
يبدو أن السلفيين بكل ما يمثلونه من تراث دموي وهطل سياسي سيظل قدرهم
للأبد هو العمل كذراع عسكري للإخوان المسلمين حتى دون علم السلفيين أنفسهم
أو يتحولوا إلى فزاعة الإخوان التى يرهبون بها الشعب دفعا له لوضع الإخوان
على مقاعد الحكم لذلك وجريا على العادة المرذولة في السياسة المصرية فتح
المجلس العسكري أبواب المعتقلات لعتاة مجرميهم بل واستقدم من أفغانستان
وباقي الدول بقاياهم الجهادية في مشهد تحير الكثيرون في فهمه بينما أفسح
الإعلام المسيطر عليه من قبل الدولة أو المتواطئ معها المجال لهم للخروج
على الناس في مشهد تحير في فهمه العقول
المجلس
العسكري نفسه: فالمجلس بحكم تكوينه وبحكم تراتبية الدولة المصرية يقع خلف
رئيس الجمهورية ومرؤسا له لكن المجلس حاليا يمثل السلطتين التنفيذية
والتشريعية في وقت واحد وهو يجمع بين سلطتين كان من الصعب على أي رئيس مصر
أن يجمع بينهما بنفس الطريقة والمجلس يدرك أن تخليه عن السلطة في أي لحظة
أو تحت أي ضغط سيعرضه في حالة وصول الثوار أو أصحاب الدولة المدنية للحكم
للمساءلة عن الكثير من أفعاله سواء في ظل حكم مبارك أو في فترة ما بعد
الثورة وهي الفترة التى جرى توثيقها بدقة بالصوت والصورة لتلاحق المجلس
الإتهامات بإستخدام العنف وإهدار حقوق الإنسان وهي تصرفات طالت الناشطين
المدنيين فقط ولم تطل أي من أعضاء الإخوان المسلمين أو السلفيين رغم شططهم
كما لم تطل أي من الأحزاب القديمة التى يصر المجلس على بقاءها كجزء من
ديكور يجده مفيدا له
هنا
يثور الحديث عن سيناريوهات الحركة في مصر ويمكننا أن نقول بثقة أن التيار
الإسلامي يصل للبرلمان وسط مشادات بينه وبين المجلس العسكري للإستهلاك
المحلي فقط ولا تعنى أن هناك جفوة في الواقع بينما يمثل الإخوان وهم أكثر
قبولا من المجلس الأغلبية في البرلمان فيما يمثل السلفيون سندا لهم وقت
الحاجة وهنا يكون على الجميع إنتظار قيام مجلس الشعب بوضع الدستور
المجلس
بطبيعته سيخرج دستورا إسلاميا على مقاس الإخوان المسلمين والمجلس العسكري
فتظل السلطة النيابية أبد الآبدين في يد الإخوان بينما يترك الإخوان منصب
الرئاسة لمن يرى العسكري تصعيده على قمة الدولة وهو تنسيق مناسب لإحتياجات
الطرفين لكنه بكل تأكيد لن يرضي الكثير من الشعب المصري لأسباب عدة:
الشعب المصري بقواه المدنية يشك في الإنتخابات شكا قويا
بعض فصائل الشعب المصري تدرك أن عقد إنتخابات مجلس الشعب كان الهدف منها سحب الثقة من ثوار التحرير ومحو شرعيتهم
الكثيرون
يدركون أن مجلس الشعب تشكل على عوار دستوري فادح فالمجلس العسكري سمح
بتأسيس أحزاب دينية كما سمح بالتصويت على أساس دينى دون تدخل منه لو لذر
الرماد في العيون
المجلس
لم يبذل أي جهد لتسهيل تصويت المصريين في الخارج سوى في السعودية ودول
الخليج حيث يدرك أن إتجاهات التصويت ستصب في صالح التيار الإسلامي الذي
يحظي برعاية المجلس العسكري بينما كانت شكاوي المصريين في كندا وأوروبا
وامريكا واستراليا كثيرة ومتعددة وكان تصويت المصريين في تلك الدول بشئ من
العدالة كفيلا بمنع حصول التيار الإسلامي على أي فرصة لتشكيل أغلبية محركة
أو أقلية معطلة لكن المجلس كان يدرك أن اتجاه تصويت هؤلاء لن يكون مناسبا
لما يريد
المجلس
أجبر أحزاب الثوار وهي دون إمكانات مالية أو تنظيمية وحديثة النشأة على
خوض إنتخابات محسوم نتيجتها مسبقا وفي ظل عدم وجود دستور يحدد إختصاصات
مجلس الشعب الذي عقدت الإنتخابات لإختيار أعضاءه وكما لو كانت مصر تدار
بشكل ودي
في النهاية ستكون المعادلة قد اختلت لأسباب عديدة:
الأغلبية
البرلمانية لن تعبر عن واقع الحال على الأرض فلو كان إجمالي ما يحصل عليه
التيار الدينى 5 أو ستة أو عشرة ملايين صوت فذلك يعنى قطعا أن هذه هي قوتهم
الحقيقية على الأرض مضافا لها أصوات وأعداد المتعاطفين معهم ومن إستطاعوا
شراء أصواتهم ممن ذهبوا للإنتخاب خوفا من غرامة الخمسمائة جنيه دون معرفة
بأي شئ ليصبحوا نهبا لأكشاك الدعاية الإخوانية والسلفية خارج المقار
الإنتخابية
هناك
ما يقرب من عشرين مليون مسيحي مصري يتساءلون عن مصير أصواتهم وكيف تخرج
نتائج الإنتخابات كما خرجت في ظل إقبال مسيحي متزايد على التصويت لصالح
الدولة المدنية وهؤلاء لن يقنعهم أي حديث عن نزاهة إنتخابات كلنا شاهدنا
وعلى الهواء مباشرة فسادها وفساد من قاموا عليها
هناك
من الثوار الرومانسيين ممن ليست لهم أهداف شخصية من سيجدون أن دماءهم
ودماء زملاء لهم قد ذهبت هباء على يد التيار الإسلامي بكافة مشاربه كما
سيكون هؤلاء تحت تأثير فكرة أن المجتمع تخلي عنهم لصالح العمامة واللحية
وزجاجات الزيت الإنتخابية
هؤلاء لن يكونوا قادرين على الصمت لأسباب محددة :
أولا:
يدرك هؤلاء أن اجهزة الأمن لا تحتاج سوى مهلة قصيرة لإسترداد الأنفاس قبل
أن تبدأ في الإنتقام منهم في ظل مباركة كاملة من أي تيار إسلامي يصل للحكم
ويري في هؤلاء مارقين على الدين وتهديدا لإستقراره
ثانيا:هؤلاء
الثوار الرومانسيين خرجوا ليطالبوا بالحرية وهي مفهوم لن يكون متاحا بأي
صورة من الصور في دولة ذات رأسين أحدهما دينى والآخر عسكري وهو ما يجعلهم
في مواجهة فكرة ضياع كل جهودهم هباء وسط شعور متزايد بالخيانة
ثالثا:
هؤلاء لن يكونوا قادرين على الصمت والإكتفاء بممارسة دور الضحية وإنتظار
طرقات أجهزة الأمن أو الشرطة الدينية على الباب لكن سيكون في مخيلتهم
سيناريوهات بديلة تنحاز نحو أقصى اليسار في مواجهة المد اليمينى المحيط بهم
هنا
نكون قد وصلنا لما يمكن أن نسميه فعليا تقسيم المجتمع فما بين الإستفتاء
على الدستور وبين الإنتخابات إنقسم المجتمع بالفعل إلى مناطق نفوذ وشيع
وإتجاهات متناحرة لكن كل تل الإتجاهات المتناحرة لم تصل لدرجة المواجهة
العنيفة على الأرض بل إكتفت بالمواجهات الكلامية مع التسليم سلفا بأنها غير
قادرة علي المواجهة في الشارع أمام بلطجة السلفيين والإخوان
نخرج
بإستثناء واحد هام هنا هو أن الإسكندرية التى عدها البعض معقلا للتيار
الإسلامي شهدت خلال الشهور الماضية مظاهرات حاشدة ضد الإخوان والتيار
الدينى بصفة عامة وكانت بعض هذه المظاهرات في أحيان كثيرة على وشك الخروج
من حالة السلمية بل إن الإسكندرية شهدت أول إحتكاك مباشر بين الثوار والجيش
أمام المنطقة الشمالية العسكرية وهي إحتكاكات جرى تهدئتها بفعل تدخل بعض
اليساريين الإسكندريين مثل أبو العز الحريري وعبد الرحم الجوهري بينما لم
يكن لرجال الدين دور على الإطلاق في ظل شكوى متزايدة من شيخ جامع إبراهيم
المتشدد بأن المتظاهرين يمنعونه من إلقاء خطبة الجمعية ، ولعل أول صور
الشقاق هو إنفراد التيارات المدنية واليسارية بميدان سعد زغلول بينما ظل
جامع إبراهيم قبلة المتشددين كعادته
أحسب
أن شيئا من التحرك العنيف سيحدث مع بداية إنعقاد مجلس الشعب ومناقشة وضع
الدستور واللجنة التى ستضعه وهو وضع مرشح لمزيد من الإختلاف بينما تصل ذروة
الوضع إلى منتهاها عند الإعلان عن مواد الدستور الإسلامي الجديد (المتمتع
بالشرعية نظريا فقط) وهنا سيكون على الإتجاهات اليسارية والثوار
الرومانسيون أن يفعلوا أي شئ لإعاقة الإستفتاء على الدستور بعد أن جرى
خداعهم في إستفتاء وإنتخابات سابقة ولم يعد بهم ثقة بكل ذلك
التحرك
سيكون بالطبع في إتجاه إحتجاجات عارمة لكن هذه الإحتجاجات ستقمع بقوة هذه
المرة بدعم من التيار الإسلامي الذي أصبح يمثل الشرعية في مواجهة الفوضي
(تماما كما تحدث مبارك) وبينما تقمع هذه الإحتجاجات بقوة سيكون رد الفعل
على أعنف ما يكون وفي إتجاه أولى يبدأ بمصالح التيار الإسلامي وهي مصالح
منتشرة عبر ربوع مصر وسيكون من الصعب تأمينها كما أن أي محاولة لتأمينها من
قبل الإخوان والسلفيين أنفسهم سيكون معناه أن هناك جبهتان متصارعتان على
الأرض لا ترضى أحدهما بأي حل وسط
هنا
يجب أن أقول اننى لا أتوقع مظاهرات حاشدة خلال الفترة القادمة ولا
إعتصامات حاشدة لكن التظاهر الرمزي والإعتصام الرمزي سيظل موجودا ، واختفاء
المظاهرات الحاشدة سيكون مرده فكرة في منتهى الخطورة يدركها الثوار
الرومانسيون جيدا :
التحرير فقد تأثيره على القرار
البديل
الذي أدرك أنهم سيصلون إليه ومعهم فئات كثيرة من المجتمع ستنضم إليهم بشكل
أو بآخر هو المواجهة على الأرض وإذا كان التيار الإسلامي يؤمن حسب قوله
بفكرة الشهادة فإن هناك دماء ستسيل بينما بين الثوار فإن مفهوم الموت في
سبيل الحرية جرى إثباته آلاف المرات وهنا نحن أمام معركة محتدمة في نهايتها
سيتدخل الجيش
على
مستوى آخر يدرك التيار الإسلامي أن الرهان على المجلس العسكري حتى النهاية
لن يكون مناسبا في حالة الإحتجاجات العنيفة فمن وجهة نظر التيار الإسلامي
قد يقرر الجيش الإستفادة من الوضع المحتدم في أي لحظة ويدخل للساحة (لضبط
الأمن ومنع إنهيار الدولة) وهنا سيكون قد إحتك بالتيار الإسلامي بقوة وهو
التيار الذي يقول بأنه صاحب الشرعية في مواجهة من يقولون أنهم عملاء لكل
دول الخليج وحتى أمريكا وهنا لن يكون أمام الجيش سوى ممارسة القمع بشدة
وإعلان الأحكام العرفية وكبح جماح التيار الإسلامي وهو ما يمهد لعودة
مباشرة للجيش في صدارة المشهد السياسي دون إعتراض من أحد في ظل أرضية حبلى
بالعنف الفكرة والطائفي
التيار
الإسلامي يدرك ذلك تماما واللافت للنظر أن المتابع لحركة تهريب السلاح
خلال الأشهر الماضية يحلظ متغيرات هامة فبينما يتم التهريب في الأساس
للسلاح لتحقيق إكتفاء لعائلات الصعيد وهذه العائلات ينحصر إستخدامها في
البنادق وبعض الرشاشات الآلية حتى الحديثة منها والكبيرة العيار لكن الآن
يمكننا أن نلاحظ متغيرات مرعبة على الساحة:
تم
تهريب عدد من منصات الصواريخ المركبة على سيارات وتم ضبطها قرب البحيرة
وبسحبة بسيطة فإذا كان العدد المعلن عنه هو ست مركبات فإن ذلك يعنى أن هناك
عدد يتراوح بين عشرة وخمسة عشر منصة جرى تهريبها وإستلامها وإخفاءها
بالفعل
تم
تهريب نوعيات مختلفة من الأسلحة والرشاشات تمثل كيان تسليح الجيش الليبى
في عهد القذافي لكن كل ذلك تم ضبطه في مناطق البحيرة والوجه البحري وشملت
المضبوطات رشاشات جرينوف وصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف وصواريخ
أرض أرض وبعض الألغام
تم
ضبط محاولة لتهريب 500 جهاز لاسلكي متقدم من ليبيا لمصر وبصرف النظر عن
ضبط الكمية من عدمه فإن مجرد الإعلان عن الضبط يعنى أن هناك كميات دخلت أو
ستدخل فلا تستطيع دولة أن تضبط حدودها للدرجة التى تأمن فيها نفاذ تلك
الأشياء للداخل لكن المهم هنا هو فكرة تهريب أجهزة اللاسلكي نفسها ويجب أن
نسأل : من الذي يريد ربط 500 فرد (ناهيك عن كون كل فرد من هؤلاء يقود عددا
آخر من الأفراد) عبر موجة لاسلكي مشفرة واحدة يتحركون وفقا للتعليمات التى
تصدر إليهم؟ السؤال يشمل الإجابة
هذا
فيما يخص المهربات من ليبيا بينما المهربات عبر سيناء فحدث ولا حرج مع
حديث وتواتر أخبار لا ينتهى عن حالة اليأس والسأم التى يشعر بها أهل سيناء
تحت الإدارة المصرية وفي ظل تواجد محدود لقوات الجيش وتواجد شرطي لا يسد
عجزا ويحتاج لمن يحميه في الأساس
هنا
وخلاصة ما نريد توضيحه أن الفاعل معروف تقريبا فليست عصابات المخدرات
بحاجة لمنصات صواريخ ذاتية الحركة ولا البلطجية بحاجة لكل هذه الأجهزة
اللاسلكية لكننا نتحدث عن أحد يشعر بإحتياج كما أن لديه الموارد المالية
اللازمة وهنا يبرز دور التمويل الخارجي للإسلام السياسي الذي لا يريد أحد
الإقتراب منه لكن أيضا يجب أن ندرك أن هؤلاء بالفعل لديهم خبرة التعامل مع
الأسلحة عبر خبراء جرى إرسالهم لمناطق النزاع في العالم (للجهاد) أو
للتدريب وفي النهاية هم قادرون على صنع جيل من المقاتلين المسلحين بأسلحة
الجيش الليبى بسهولة لإستخدامه في حالة شعورهم بأن المجلس العسكري سيقرر
الإنحياز لفكرة ضبط الأوضاع أو عند شعورهم بأن شيئا يدبر لهم
في
المواجهة يجب أن ندرك أن الطرف الآخر برغم ضعف إمكانياته سيكون قادرا على
تطوير قدرات مرعبة للتحرك عبر إستخدام تكتيكات وأسلوب عمل مختلف فبينما
يعرف الجميع مناطق نفوذ التيار الإسلامي ومصالحه التجارية ومكاتب أحزابة
فإن تيار الثورة الرومانسية مجرد فكرة تستحوذ على تبعية البعض لها وبالتالي
لن يكون بمقدرو التيار الإسلامي ممارسة حرب أو قمع بشكل واضح سوى ضد رموز
التحركات الشبابية أو دعاة مدنية الدولة بينما قد يكون هؤلاء بعيدون كل
البعد عن الحركة التى يشهدها الشارع وهو ما يعنى أن التيار الإسلامي سيكون
عليه تلقي الضربات في الظلام من جماعات صغيرة العدد شديدة التنظيم عقائدية
للغاية رومانسية حتى النخاع وقد لا تكون هذه الجماعات الصغيرة تعرف بعضها
البعض مما يعنى أنه لن يكون بمقدور أحد الوصول إلى أفراد آخرين لأن ما
يجمعهم فكرة وصفحة فيسبوك وتويتر وربما ما هو أقل
ذلك
يعنى أن التيار الدينى سيكون مطالبا بدخول معركة في شارع مظلم كمن يحارب
طواحين الهواء وسيكون عليه طوال الوقت تحمل ضربات تطال قياداته بشدة دون أن
يكون قادرا على ممارسة حماية فعلية ضد ذلك بينما سيشعر وقتها بأن هناك
حالة من حالات التشفي تنتاب قطاعات واسعة من المجتمع لما يتعرض له ولا سيما
أن هذا الشكل من أشكال الثورة الرومانسية أنركية الطابع يتحول في النهاية
لممارسة الفن من أجل الفن وهنا فإن مناطق النفوذ ستكتسب بعدا آخر فقد تصبح
كل مصر مناطق نفوذ للتيار الإسلامي صباحا بينما تتحول لمناطق نفوذ للثورة
مساء وقد يكون الوضع أعقد من ذلك في حالة إمتداد الصراع لفترة طويلة من
الزمن وجذب أتباع جدد عند تحقيق إنتصارات واضحة أو أحداث ضخمة تزلزل كيان
التيار الإسلامي
ما
أريد أن أقوله إن التيار الإسلامي يدرك أنه قد يفجر الدولة قبل أن يحكمها
لكن هذا التيار يعشق نفسه بنرجسية شديدة ويعلي شأن جماعاته على الدولة ولو
فكر في المصلحة الحقيقية للدول لما وصلنا لما نحن فيه نتاج إنتهازيته
السياسية التى إشتهر بها بينما يبقى الإحتكام للسلاح موافقا لعقيدتهم التى
وضعوها على شعارهم (وأعدوا) فهم هنا متوافقون مع ما يؤمنون به
من
ناحية أخرى يخطئ من يظن أن ما نقول غير قابل للتحقق على أرض الواقع فكل
الأحداث الكبيرة بدأت بإرهاصات وبفرد واحد وجماعة واحدة وبحدث واحد ثم
تحولت إلى ثورة أو حرب أو دولة وفي حالتنا أخشى أن يصل الأمر لمرحلة
التفكير في فكرة التقسيم أو ترك الأمور تحت التسخين حتى تتحدد مناطق النفوذ
وحدود الدويلات الجديدة القادمة