عددالزائرين الان

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

فلسفة الحمير قصص قصيرة

 بسم الله الرحمن الرحيم
ف

كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، شعب من شعوب الحمير ، فيه أم داهية ، وفي ذات
صباح ، وعلى أرض الحمير ، دار الحديث التالي بين الأم الداهية وابنها الوحيد )
الأم : انهض يا بني ، أوشكت عقارب الساعة أن تصل إلى السادسة .
الابن : دعيني يا أمي ، دعيني أنمْ ، لا أريد أن أترك فراشي المريح .
الأم : لكن ستتأخر عن المدرسة .
الابن : ما عادت نفسي ترغب في شيء .
الأم : ولا حتى في المدرسة ...؟
الابن : ولا حتى في المدرسة .
الأم : لماذا يا بني ؟ فكرتي عنك أنك حمار مجتهد ، فما الذي يغيرك ؟
الابن : أنتِ .
الأم : أنا ...!
الابن : نعم ، أنت ِ .
الأم : لهفي عليك يا ولدي ...! وهل تطيق أم أن تؤذي فلذة كبدها ...؟
الابن : قد لا تقصدين .
الأم : قد لا أقصد ، حاذر على كلامك يا ولد ، الله يلعن ...
الابن : قوليها يا أمي ، أستحلفك بالله أن تقوليها .
الأم : أستغفر الله العظيم ، كدت توقعني في الخطأ .
الابن : أتعذب كثيراً يا أمي ، أنتِ ... أنتِ لا تشعرين بعذابي ، عرضت ...عرضت عليك أنْ
ترسلي بي إلى مدرسة الحمير ، فالحمار بين أبناء جنسه عزيز ، ومنْ ترك جلدته أهين
لكنْ مع إصرارك أن أذهب لمدارس البشر أذعنت لرأيك دون مخالفة ، فطاعتك يا ست
الحبايب واجبة ، ثم إنني لا أريد أن أكثر من الحمير في جهنم .
الأم : بالله عليك يا ولدي لا تهلك نفسك بكثرة التفكير ، فالعين بصيرة واليد قصيرة ، فمدارس
الحمير تنعقد سراً ، فالبشر يرفضون أن يكون للحمير مدارس خاصة بهم ، يخافون أن
نطالب بحقوق أخرى ، فتكون لنا دولة ذات سيادة ، وتعلم أن لا غنى للبشر عنا .
الابن : لا تؤاخذيني يا أمي ، فأنا لم أفهم ما ترمين إليه فهماً كاملا ، زيديني .
الأم : عجيب أمرك ، فنحن معشر الحمير نفهمها على الطاير ، ربما ... ربما لم تستوعب كلامي
لأنك لم تفق جيداً ، تكلمني وعيناك مغمضتان ، فكن مثل أمك في الذكاء ، فلا يغيب عنك
لولا ذكائي ولولا جمالي لما وقع أبوك في غرامي ، ثلاث سنوات وهو يحمل إليّ الهدايا
والورود ، لأكون له زوجة ، وأنا أتمنع عنه ، حتى ذبل وصار ليمونة صفراء ، وخفت
عليه حين هدّد أهله بالانتحار إن لم يحصل عليّ ، فقبلت به ، ولم أعرف بأنني أنجب حماراً
غبياّ ، أكيد أنت سرّ أبيك ...
الابن : منْ شابه أباه ما ظلم .
الأم : لا تلق باللوم عليّ لأنني أرسلت بك إلى مدارس البشر ، ولا تدّعي ظلمي لك ، وتحملني من
العذاب ما لا أطيق ، فيا ولدي ويا قرة عين أمك ، أنا لم آمرك أن تغير من طباعك ، ولا
أمرتك أن تتخلى عن صفات حباها الله للحمير من دون مخلوقاته ، والآن قل لي : ألم
أخبرك من قبل لمَ أرسلت بك إلى مدارسهم ؟
الابن : بلى يا أمي ، أذكر ... قلتِ إنك ترسلين بي إلى مدارسهم لأكتسب منهم خبرة ، فنعرف
طباعهم ونأمن شرّهم .
الأم : رقيتك من عين عدوك ، وخمسة وخميسِ في عين منْ رآك ولم يصلّ على النبي ...!
الابن : لا أصدق ، إنك تمدحين ذكائي .
الأم : يا ولدي ، كل مخلوقات الله لديها جانبان ؛ جانب مشرق ، وجانب مظلم ، والجانب المشرق
فيك أنت تكتسبه من أمك ، أما الجانب المظلم فمن أبيك ، فاتركنا من هذه السيرة ، وليس من
الضرورة أن تذكرني بحظي التعيس ، انكسر الباب من كثرة رفس الحمير له طالبين يدي
للزواج ، صددتهم جميعاً وما وقع الاختيار إلا على أبيك ، خدعني بكلامه المعسول ، هل
أبوح لك بسرّ ؟
الابن : وبسرعة يا أمي .
الأم : كان أبوك ينظم فيّ الشعر ، ويبكي حرقة قلبه .
الابن : تماماً مثلما كان يفعل قيس بليلاه .
الأم : قيس هذا الذي تتحدث عنه ما هو إلا تلميذ من تلاميذ أبيك ، وما الفائدة ...؟
الابن : لماذا يا أمي ...؟
الأم : لا تقلب عليّ المواجع يا ولدي .
الابن : وراس كل الحمير لا تخفي عني شيئاً .
الأم : أبوك زير حمير ، وقعت عينه على حمارة صغيرة تعمل في البيت المجاور لبيتنا ، قيل لي
بأنه مجنون بحبها ، يعشقها حتى الثمالة ، فأنا يا ولدي كبرت كما ترى ، وأبوك بلا أصل
أخذني وأنا عود أخضر ، وحين يبست يرميني ، وأنا ... وأنا أحفظك ليوم آت ، حين
يتخلى أبوك عني ويلقي بي إلى قارعة الطريق ، فلا تخيّب آمالي ، فاجتهد ، أريدك أن
تصبح محامياً .
الابن : لكن يا أمي لا رغبة لي في المحاماة ، انظري إلى قاعات المحاكم ، إنها تعج بالمحامين ،
ومن ْ يتسكعون في الشوارع عاطلين عن العمل أكثر من الذين يمارسون المهنة ، حتى
هؤلاء الذين يجلسون في مكاتب خاصة بهم يقبلون القضايا مما هبّ ودبّ ، يسمون البريء
باسم المتهم والمتهم باسم البريء ، لا تأخذهم مخافة من الله ، يبررون عجزهم بصعوبة
الحياة ، وغيرهم يقبل ما قد يرفضونه ، فإن زنا جميع الناس ، لا يجعل الزنا حلالاً .
الأم : انهق ... انهق يا عين أمك انهق ... انهق وإن شاء الله " تِعْدَم " أباك انهق ، فمن أين لك
بكل هذه الحكمة ...!
الابن : ورثتها عن أبي .
الأم : " ييه علينا ، الزرده ما بتخلف ورده " .
الابن : كنت أمزح ، أردت أن أثيرك .
الأم : إذن يا ولدي ، إن كنت لا تريد أن تكون محامياً لتدافع عن أمك ، وتحبس لي أباك زائغ
العينين ، وترفع الظلم عن معشر الحمير ، فماذا تنوي أن تكون ...؟
الابن : أنوي أن أصبح طبيباً ، فإنه يصدق على البشر المثل " الذين استحوا ماتوا " يروننا نصبر
على أذاهم ، ونتحمل ما لا يحتمل ، فيبرعون في الضرب والشتم ، ويستخدمون
العصيّ وأحيانا الحجارة ، وما بين " حاا " و " هيييش " وخز وكف تسقط بقوة على
خدودنا الناعمة ، وأرجل تهوي بثقل على المؤخرة ، يعدّون الصمت ضعفاً وجبناً ، وكلما
ازداد السكوت ، ازداد اضطهادهم لنا ، يجهلون أن الطاعة صبر ، والصمت احترام ،
والسكوت عرفان لهم بالجميل على ما يقدمون من طعام البرسيم الشهي ، سأداوي ما
فعلته يد الإنسان ، وأعالج ما يمكن علاجه من جروح ، على الرغم من أن هناك جراحات
يستحيل علاجها ، كهدر كرامة الحمير ، فجرح كهذا الجرح يصيب القلوب ، ومن أين لنا
بطبيب جرّاح ...؟
الأم : ما شاء الله عليك وعلى عقلك ...! خذ يا بني هذه الخرزة الزرقاء تقيك من عيون الحاسدين
دعني أعلقها لك في عنقك ، لكن احرص أن ينزعها منك الإنسان الفضولي الذي يحشر
أنفه فيما لا يعنيه ، والآن يا بني ، أدركنا الوقت ، ألا تريد أن تخبر أمك ، يا بؤبؤ عينها ، لمَ
أنت راغب عن الذهاب إلى المدرسة ...؟
الابن : افرضي أنني لا أنوي الكلام ...
الأم : ألا يكفيني غراب البين أبوك ، يتصرف كما يحلو له ، فيخرج متى أراد ، ولا أدري إلى
أين ، أو متى يعود ، يا رب كنت في مصيبة واحدة والآن أصبح في مصيبتين : الولد وأبيه
الابن : ولا تزعلي يا ست الحبايب يا حبيبة ، سبب عزوفي لأن في نفسي شيئاً من مدرس اللغة
العربية .
الأم : هل أساء إليك ،هل ضربك ...؟ دعني أتحسس جسمك الجميل لأرى ما فعل ، والله إنها
لفرصة سانحة أن أحملك إلى طبيب ، فنحصل على تقرير نحبس فيه هذا المعلم ، أو يدفع .
الابن : ماذا تقصدين بقولك : يدفع .
الأم : يدفع يا ولد ... يدفع ألا تعرف ماذا تعني يدفع ...؟ لكن ... لكن هناك مشكلة ، لا توجد
آثار للطعنات ، ما رأيك يا بني أن تغمض عينيك وتدعني أطعنك بهذا الخنجر طعنات ، ثم
نذهب إلى مركز للشرطة .
الابن : لكن يا أمي مدرّس اللغة العربية آذى شعوري ، لم يستخدم أداة حادة كما تزعمين .
الأم : ماذا تقول ...؟ أنت أهبل ولا تقدّر الأمور ، أنا منْ تقرر إن كان يستحق أن نشتكي إلى
المركز أم لا ...؟ هيا احك ما حدث بالتفصيل الممل .
الابن : سأل أحد طلاب الصف الثامن أن يكوّن جملة اسمية .
الأم : هذا سؤال سهل ، أنا التي حرمت من التعليم بسبب عقلية جدك المتخلفة ، أستطيع أن أكوّن
جملة ، خذ هذه الجملة : الإنسان عدو للحمير ، أو خذ هذه الجملة المركبة : شعوب الحمير
قلوبها طيبة .
الابن : وأين للطالب مثل ذكائك ...!
الأم : أكيد خلط شعبان برمضان .
الابن : لم يجب بشيء ، كان يبتسم بغباء .
الأم : وأنت ... هل عرفت الإجابة ...؟
الابن : ماذا تظنين بي ...؟ أتظنين بأني إنسان ...؟ رفعت إصبعي أستأذن لأجيب ولكن لم يأذن
لي بالكلام ، هذا معلم عنصري ، لا يحترم لائحة حقوق الحمير الصادرة عن هيئة الأمم
المتحدة ، ويمارس التمييز بكل ألوانه ، إنه ... إنه ... يكره شعب الحمير ، وعدو لهم .
الأم : وأنت ... ماذا فعلت ؟
الابن : أعلنت عليه الحرب ، فخرجت إلى أقرب مقهى إنترنت ، وأرسلت رسائل إلكترونية ،
واحدة لبان كي مون ، ورسالة ثانية إلى عمرو موسى .
الأم : " ثلثين الولد لخاله " والله خالك بطل .
الابن : أرسل الاثنان الردّ ، يستفسران في البداية عن أمر ، فأنت تعرفين يا ست الحبايب أنّ
الواحد منا يفعلها وهو ماش ، فجدّنا الأعظم السادس عشر رفض الثورة على العادات
الموروثة عن آبائه وأجداده ، وأصرّ أن يفعلها الواحد منا وهو ماش ، حتى وإن امتلأت
الشوارع بأكوام الرائحة الكريهة ، وقد يأتي طفل فيلوث حذاءه الجديد ، أو يأتي أعمى
بصيرة فينزلق على ما فعلناه ، والقضية هنا أن البرادعي قد يعدّ ما نفعله من أسلحة الدمار
الشامل ، فإن تأكد هذا ، فإن الأمر موكول إلى بوش ، ويا ست الحبايب عدّي حميرك ؛
واحد قائم ، وواحد نائم ، فبوش إما أن يضرب مؤسساتنا الإنسانية بكروز ، أو يأتي ليحتل
أرض الحمير ، خياران لا ثالث لهما .
ويقولان أيضاً : إنهما... يعدان بإنشاء دولة الحمير على أرض الحمير ، بعيداً عن تدخل
الإنسان في شؤونها ، حين نتخلص من حفنة حمير يمارسون الإرهاب ...
الأم : تقول .. يعدان بإنشاء دولة للحمير.! الله يلعن المدرسة والتعليم " وأبو التعليم " أفسدوا عقل
الولد ، عدْ يا ولد إلى النوم ، لا أريدك أن تذهب إلى مدرسة ، الآن تأكدت أنك فعلاً حمااااارْ
( وبحكيلك إيّاها بالعاميّة وعالمكشوف : يا طالب الدبس من ( ... ) النمس .
وللا بلاش ... أحسن ما تخرب أخلاق هالحمار أكثر ما هيِّ خربانه ) .