هي امرأة مجتهدة تخرج من بيتها بعد ان حضرت فطور العائلة ونسقته على المنضدة على انغام فيروزية جميلة ، وما ان تسرح بضعة خصلات من شعرها حتى تنظر إلى ساعتها فإذ بها تتأخر دقيقتين على موعد عملها المعتاد لتهرول على الدرج مسرعة خوفاً من توبيخ صاحب المكتب ، وبعد ان دخلت المكتب يدخل خلفها ذاك المدير المتعجرف الذي يباغتها من وراء الكرسي بيديه اللتين تمتدان حتى نهديها بحركة دائرية وقحة ،"شو ، يا حلوة..فش فنجان قهوة؟"
تقوم جميلة من كرسيها متفاجئة مرتعشة ليرقبها ذاك المدير بكل خطوة من خطواتها فيعريها بنظراته الثاقبة ويفاجئها بقبلةٍ وهي تحضر القهوة فتصدم مرة أخرى وتهم بالخروج ساخطة غاضبة حتى يمسكها ويقبلها في عنقها وسائر اطراف جسدها مدعياً انه يحبها وانه لا ينام الليل من حر الشوق إليها ، وتقرر رغما عن انفها ان تسامحه شريطة ان لا يتكرر هذا التصرف ، لكن "ذيل الكلب أعوج ولو حطيتو بمية قالب"ويتكرر ذاك التصرف وربما اكثر من ذلك في مكتب ذاك المهندس الوقح لأنه يعلم في قرارة نفسه ان جميلة لن تترك العمل فهي بأمس الحاجة الى ذاك الأجر الشهري اذاً لا مانع لدى مديرها من أن يقرصها هذا في صدرها وذاك في خصرها فهي متعة والسلام!!!!
هي صورة واقعية لفتاة تعيل اسرتها التي فقدت أباها قبل سنوات وتعمل في إحدى مدن الشمال والحت علي بأن أوردها لكم كدليل واضح وصريح على ما تعانيه نساؤنا في أعمال القطاع الخاص . أجل، الاستغلال الجنسي للمرأة في ميدان العمل هو موضوعنا لهذا المقال !
إن الاستغلال الجنسي بشكل عام هو أن تدفع المرأة جسدها مقابل ان " تأكل هوا" وتنتظر أجرها في نهاية الشهر أو ان يشترط احدهم أن يضمن لها عملاً في أحد الأماكن مقابل أن تدفع جسدها ثمناً باهظاً كي تضمن رغيف الخبز.
لا يختلف اثنان على أن العمل بات مهماً جداً للمرأة وبالأخص في ظل الأوضاع المادية الراهنة فيدٌ واحدة بالبيت من الصعب أن تطعم عائلة كاملة وتوفي أفرادها كل الحقوق، أضف إلى أن العمل يوسع الآفاق ويحرر الفكر ويحرر المرأة من سجنها في البيت أبضا ، وقد يعلق الكثير من أصحاب العقول " الرجعية" أسباب فشل اسرهم على عاتق المرأة العاملة التي لا تحسن التدبير والتوفيق بين عملها ودورها كزوجة وأم متناسين قصداً فضل هذه المرأة في المساعدة بمصاريف المنزل وإعانتها في الحياة مع العلم أنها تتعرض لضغوطات أكبر وأكثر بكثير من الرجل ومنها تلك الملاحقات الجنسية ومحاولات الاستغلال المادي بين الحين والآخر وإنني لأذكر أن آخر إحصائية في إسرائيل قد دلت على أن معدل دخل المرأة يساوي57% من دخل الرجل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المرأة لا تحصل حتى على حقوقها المادية كاملة.
إن العديد من أرباب العمل وأصحاب المكاتب في القطاع الخاص يعتقد أنه من البديهي أن يحلل له جسد سكرتيرته أو شفتي إحدى موظفاته، فهنا يقرص إحداهن في خاصرتها وهناك يداعب صدر أخرى ، ويصول ويجول في المكتب ليروي تلك النكت البذيئة لهذه وتلك كأنه ابا زيد الهلالي في عصره ، لكنني أتساءل هل القوة تعني فرض الجنس أو ايماءاته على بعض العاملات " دون احم أو دستور"؟ أم أن السلطة هي التي تدفع هؤلاء للاستيلاء حتى على جسد الأخريات فطبعاً هن لن يشتكين أو حتى يتأوهن خوفاً من فقدان مصدر دخلهن الوحيد !
لم تتعرض كل نسائنا لهذا الاستغلال ولذلك لن أعمم فأستثني منهن من رحم ربي ، لكنها حقا مهزلة آخر زمن ، فهل باتت سلطة الجسد تعلو قيمة رغيف الخبز والإنسانية ؟